فقد قال ابن
كثير فى (ص ٦٠) ، المجلد السادس من تفسيره : شبه الله قلب المؤمن وما هو مفطور
عليه من الهدى ، وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه ، فى صفائه فى
نفسه ، بالقنديل من الزجاج الشفاف ، وما يستهديه من القرآن والشرع ، بالزيت الصافى
الذى لا تكدره كدرة.
والضمير فى
قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ) يعود على الله عزوجل ، أى مثل هداه فى قلب المؤمن كمشكاة ، أو يعود إلى
المؤمن الذى يدل عليه السياق ، وتقدير الكلام : مثل نور المؤمن الذى فى قلبه
كمشكاة.
ورأى صاحب
الظلال : أن هذا النور ، نور الله الذى لا ندرك كنهه ، ولا حقيقته ، ولا مداه ،
نور أشرقت به الظلمات ، ويتجلى فى بيوت الله التى تتصل فيها القلوب بالله حين
تذكره وتخشاه ، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ
اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) [النور : ٣٦] ، فتلتقى مع النور المتألق فى السماء والأرض ، مع قلوب الرجال
الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
ويقول الأستاذ
أحمد بدوى : المراد بالنور هنا هو النور الذى يغمر القلب ، ويشرق
على الضمير ، فيهدى إلى سواء السبيل ، أو لا ترى أن القلب ليس فى حاجة إلى أكثر من
هذا المصباح يلقى عليه ضوءه فيهتدى إلى الحق ، وأقوم السبل؟
ثم ألا ترى فى
اختيار هذا التشبيه إيحاء بحالة القلب ، وقد لفه الظلام والشك ، فهو متردد ، قلق ،
خائف ، ثم لا يلبث نور اليقين أن يشرق عليه ، فيجد الراحة والأمن والاستقرار؟ فهو
كسارى الليل يخبط فى الظلام على غير هدى ، حتى إذا أوى إلى بيته ، فوجد هذا
المصباح فى المشكاة ، وجد الأمن سبيله إلى قلبه ، واستقرت الطمأنينة فى نفسه ،
وشعر بالسرور يغمر فؤاده.
وهكذا كان
النور فى القلب ، والفهم ، والعقل ، والعقيدة ، والشرع ، طريقا إلى الإيمان الصحيح
الذى لا ينحرف ولا يضل ، ويجد سبيله إلى الهدى والتطبيق فى الحياة العملية
والروحية ، وحتى يقضى على عوامل الشك ، والكفر ، والزيغ ، والإلحاد ، وبهذا النور
تتحقق تلك الشخصية السوية الإنسانية التى ميزها الله عزوجل ، وجعل الملائكة تسجد لها ، وقال : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٣٠].
__________________