وأنكر دعوتهم ، ووقف أمامهم موقف المحارب والمعاند لرسالتهم ، وبهذا الظلم الذى بدر منه لنفسه ولغيره كان معول هدم لهذه الحياة التى أوجدها الله ، وأراد لها البقاء إلى حين ، فما الظلم إلا أداة للتنابذ والتباغض ، وتفكك المجتمع ، ويؤدى إلى خراب العمران.
وفوق ظلمه هذا ، فهو جاهل بمكانته ، ودوره فى الحياة وبنائها ، وما هو مطلوب منه ، كى يحيا تلك الحياة السعيدة عن طريق حسن فهمه ، وبصره بمستقبله ، واعتباره بما حدث ، ويحدث له ولغيره فى ماضيه وحاضره ، وجاهل أيضا بتلك الحكمة من وراء وجوده ، وبما خلقه الله من أجله.
هذا هو الإنسان الذى هو محور الحياة ، ومن أجله أرسل الأنبياء والرسل ، ومن أجله جاءت الآيات القرآنية تشيد به ، والأمثال تناولته فى عقيدته ، وسلوكه ، وعلاقاته ، وحربه ، وسلمه ، وبقى علينا أن نعرض لبعض هذه الأمثال التى تناولت تلك النفس الإنسانية لنجلوها ، ونكشف عما تخبئه هذه النفس من حقائق وراء مظهرها ، وما لها من اتجاهات ونزعات ، ورؤيتها لحقيقة نفسها وغيرها فى الحياة.
إن الرؤية القرآنية فى مجالات الأمثال التى تعرضها ، وفى كثير من المواطن ، لا تمثل هذه النفس الإنسانية فى موطن واحد ، وسبب معين ، وإنما تشرح هذه النفس وتصورها فى جميع أوقاتها ، وفى كل حالاتها ماضيا ، وحاضرا ، ومستقبلا ، وهذا سر إعجاز القرآن ، ودلالة آياته البينات.
١ ـ قال الله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [البقرة : ١٧ ، ١٨].
هذا المثل القرآنى من جملة آيات كريمة نزلت فى سورة البقرة ، وهى سورة مدينة ، وأطول سور القرآن الكريم ، وقد تناولت أمور التشريع ، والدعوة إلى توحيد الله ، وتعرضت إلى ما فى القرآن من إعجاز ، وما يرد من نسخ ، ثم تكلمت السورة عن أحوال السابقين من أنبياء ورسل من لدن آدم ، عليهالسلام ، وخصت بنى إسرائيل بكثير من الآيات التى تناولتهم فى معاملاتهم لموسى ، عليهالسلام ، وطريقة تفكيرهم القائمة على اللجاج ، والمجادلة ، والمكر ، والخداع ، كما ذكرت الكثير من قصص بنى إسرائيل.