عن أولئك الهالكين وتاريخهم ، فلا يتعظ ولا يعتبر.
يضرب الله المثل بما حل بالأمم السابقة ، وبما أنزل عليها من عقاب جزاء كفرانها بآيات الله ، وبما أرسل من رسل ، فظلموا أنفسهم وعرضوها لعذاب الله فى الدنيا بتلك النقمات التى حلت بها ، وبما أنزل عليها من عقاب ، حتى صارت إلى ما صارت إليه.
ومع ذلك لا يجد فيها أولئك المشركون بالله فى عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم ما ينذرهم ويخوفهم ، أما كان الأجدر بأولئك المشركين أن يجدوا فى ذلك درسا لهم واعتبارا بما حدث؟ إنه أمر لا يحتاج منهم إلى كثير تفكير ، وإعمال عقل ، فهم ولا شك خلفاء للسابقين الذين كانت لهم تلك الديار التى لحقها الدمار والهلاك ، وسيكون المصير هو المصير ، والعقاب هو العقاب ، ولكن هل من معتبر؟.
تحذير وتخويف يأتى به المثل لمن سبق ، ويأتى به أيضا لمن لحق ، ولمن سيأتى بعد ذلك.
إن يد الله غالبة ، وليس فى مقدور أحد مهما طالت قوته ، أن يفلت من عقاب الله ، وأن العذاب لكل كافر لاحق مهما اختلف نوع الكفر ، وكثر النسيان لما أوجد الله من نذر ، ودروس تفيد من له مسكة من عقل ، وقدرة على التفكير ، والنظر فى العواقب ، وما لنا لا نتعظ ونحن نرى فى كل يوم أناسا على آلة حدباء محمولين ، يطويهم الثرى ، وتغمرهم مياه البحار والمحيطات ، وتنزل بهم صواعق السماء ، وبراكين الأرض ، وأمراض العصر الظاهرة والمستترة ، وما يجدّ من أشياء تغيب عن العقل ، ولا يستطيع لها فهما أو تعليلا.
ويكفى أن يردد المرء قول الله مالك الملك ، ومدبر الأمر : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [إبراهيم : ٤٥].
سكن واقتداء بالظالمين ، وظلم للنفس ، ومكر ، وجهالة أدوات للتعطيل ، والتعرض للهلاك ، يقوم بها ذلك الإنسان الغائب عن وعيه ، السادر فى أخطائه ، فكيف يكون المصير؟ (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) [الليل : ١١] ، صدق الله العظيم.
الإنفاق فى سبيل الله :
لم تحظ دعوة بعد دعوة التوحيد بمثل ما حظيت به تلك الدعوة البناءة للمجتمع الإسلامى ، أفرادا وجماعات ، دعوة أخذت بحجزه عن الوقوع فى الهاوية والانهيار ، فى