يضرب هذا المثل : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) [إبراهيم : ٢٤] ؛ ليصوّر للناس سنته الجارية فى الطيب والخبيث فى هذه
الحياة بالشجرة الطيبة ، والشجرة الخبيثة.
فالكلمة الطيبة
هى كلمة الحق ، وهى أساس الوجود ، ولا تستطيع قوى البغى والطغيان أن تقضى عليها ،
أو هى كلمة التوحيد ، فهى كالشجرة الطيبة ، ثابتة ، مثمرة ، متعالية ، فبذورها
تنبت فى تلك التربة الخصبة ، وكذلك الكلمة الطيبة تثبت فى النفوس الطيبة ، وفى ظل
هذا (يُثَبِّتُ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي
الْآخِرَةِ) [إبراهيم : ٢٧] ، والقول الثابت : بكلمات القرآن ، وبالعمل الصالح ،
وبكلمات الإيمان ، يكون العون من الله ، والتثبت للذين آمنوا.
وأما الكلمة
الخبيثة ، فهى على النقيض من ذلك ، هى كلمة الشرك والباطل التى تعمل على إفساد
الحياة ، وفى نشر بذور الشر فى كل مكان ، وفى كل نفس ، وهى كالشجرة الخبيثة التى
قد تتشابك أغصانها ، وتتعالى فروعها ، ولكنها لا تثمر إلا ثمرا مرا ، ولا تعطى
فائدة ، وفى نفس الوقت لا تتحمل أية هزة ، فلا قرار لها ولا بقاء.
وفى ظل هذه الكلمة
الخبيثة (وَيُضِلُّ اللهُ
الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) [إبراهيم : ٢٧] بسبب ظلمهم وشركهم ، واتباع الهوى ، وتمكن الخرافات
والأباطيل من نفوسهم القلقلة المضطربة ، يفعل الله ما يشاء بإرادته المطلقة.
مشاهد من قصص
المؤمنين والمكذبين ، ومصير هؤلاء وهؤلاء ، وصور تتضح فيها النفس التى يزكيها
صاحبها فيفلح ، والنفس التى يسوقها صاحبها إلى الهاوية من خلال ما رأينا فى المثل
من مقابلة وموازنة بين حالتين يلمسهما السامع والقارئ ، فينحاز إلى ما هو جدير به
أن ينحاز إليه من عمل صالح ، وابتعاد عن الطالح من الأمر ، وقد يفهم من هذا
التصوير أن المؤمن مثل الشجرة ، لا يزال يعطى من ثماره فى كل وقت ، صيفا وشتاء ،
ليلا ونهارا ، وكذلك المؤمن لا يزال يرفع له عمل آناء الليل وأطراف النهار ، وفى
كل وقت وحين. والكلمة الخبيثة تمثل كفر الكافر ، لا أصل له ، ولا نبات ، ولا فرع ،
ولا يصعد له عمل ، ولا يتقبل منه شىء.
وفى هذا المجال
يأتى دور العالم والجاهل فى بناء هذه الحياة ، وما يؤثران به فى مجريات الأمور ،
فإذا زلّ العالم زلّ بزلته عالم.
فقد يتعرض
الغافل والجاهل لسقطات فى الحياة تجر عليهما أوخم العواقب ، وقد