حين يراد ذبحها ، أو بيعها ، أو التصرف فى أمورها ، حرم ذلك العبد سمات الإنسان الذى يملك القدرة على التفكير ، وإبداء الرأى ، والتصرف فى ملكه.
هذه هى صورة ذلك الكافر الذى نحت صنمه ، وأخذ يسجد ويركع له ، وهو من صنع يده ، وقد أخضع نفسه وتصرفه لهذا الضعيف ، يستشيره فى أموره ، ولا يصدر رأيا ، ولا يعزم على أمر إلا بالرجوع إليه.
هل يستوى هذا بمن رزقناه منا رزقا حسنا : صورة أخرى تختلف عن الأولى جديرة بالاحترام والتقدير ، صورة السيد المالك لأمره ، المتصرف فى أمر نفسه وأمر غيره ، الحرّ الذى يفعل ما يشاء ، وهو الله سبحانه وتعالى خالق الموجودات ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، وكل مخلوقاته له عبيد.
هل يستوى العبد بالسيد؟ وقيل : هو مثل مضروب للوثن ، والحق تبارك وتعالى ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [النحل : ٧٥] : إيقاظ للنفس الإنسانية الغافلة كى تثوب إلى رشدها ، وترجع إلى طبيعتها الجديرة بها ، الطبيعة المفكرة العاقلة التى تعمر الكون ، وتصل فى نهاية المطاف إلى أن تكون فى زمرة أولئك الذين يعلمون الحقائق ، ويؤمنون بالله الواحد ، ويحمدون الله على تلك النتائج التى وصلت بهم إلى العقيدة الصحيحة ، والإيمان القوى ، والمعرفة بحقيقة دورهم فى عمارة الكون والاستخلاف فى الأرض.
٤ ـ قال الله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل : ٧٦].
هذا المثل يكمل الصورة السابقة ، ويؤكد بما يحويه من مضمون تلك الحقيقة الكبرى التى ترمى إليها الآيات ، حقيقة الألوهية ، والابتعاد عن الشرك ، فإذا كان المثل السابق تكلم عن العبد العاجز الذليل الذى لا يملك حريته ، ولا يتصرف بإرادته ، وإنما هو خاضع لغيره فى كل تصرفاته ، فهنا أيضا رجل لا يستطيع أن ينطق ، حرم نعمة الكلام ، فهو عاجز عن التعبير عن حاجة نفسه ، وعن إرادته ، عجزا حقيقيا لنقص فى أدوات الكلام ، أو عجزا معنويا لحرمانه من كمال العقل والتفكير ، وبذلك حرم من سمة الإنسان الذى له إرادة ، وحركة ، وقدرة ، وعمل ، فهو مقهور ، ويحتاج إلى من يتحكم فيه ،