وردت فى القرآن الكريم تلك الأمثال القياسية على هذا النحو مصحوبة بالنص على ضرب المثل بصياغة الماضى ، والمضارع ، والأمر ، وهو لفظ يفيد إيقاع الشيء وتحقيقه ، وقد اختير لفظ الضرب ، كما عبر صاحب المنار : لأنه يأتى عند إرادة التأثير ، وهيج الانفعال ، كأن ضارب المثل يقرع به آذان السامع قرعا ينفذ أثره إلى قلبه ، وينتهى إلى أعماق نفسه (١).
ثانيا : يسرد المثل قصة كاملة للمتمثل له ، أو يعرض صورة مجازية مبسوطة جىء بها للإيضاح ، والتصوير ، أو قصد التأديب.
ثالثا : من سمات المثل القرآنى : الإطناب ، وعمق الفكرة ، وجمال التصوير.
إذا توافرت هذه الخصائص ، كان ذلك من المثل القياسى الذى استجمع كل شروطه ، ولهذا يخرج العلماء كل الآيات التى تستخدم فيها كلمة المثل ، وتعتمد على التشبيه البسيط من المثل القياسى ، مثل قوله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [الواقعة : ٢٢ ، ٢٣] ، وكذلك قوله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) [يس : ٧٨] ، وكذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦].
فهذه الآيات السابقة ، وإن صرح فيها بلفظ المثل ، فهو ليس مثلا ؛ لأنه لا يقوم على التشبيه المركب.
وقد اعتبر بعض البلاغيين أن من جملة المثل القياسى ، ما قصد منه عرض قصة ، أو صورة مجازية ، ولم يرد فيها لفظ المثل صراحة ، مثل قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) [البقرة : ٢٥٩] ، (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) [الأحقاف : ٢١] ، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) [الكهف : ١٣] ، (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) [الحجرات : ١٢].
وقد نظروا فى ذلك إلى ما تقصد إليه الآيات من هدف التأديب ، والتذكير ، وما توحى به من أمور الاعتبار والاتعاظ.
__________________
(١) انظر : تفسير المنار (ص ١٩٨).