وكانت هذه التحوّلات حجر عثرة فى سبيل التغلب على هذا الاستعمار الذى لم يقتصر على الجانب العسكرى والسياسى ، ولكنه قضى على شخصية هذا الشعب العربى بقضائه على لغته وأصالته ، إلى أن عرف طريقه وبدأ يحس بالحاجة إلى عودته إلى اللغة الأم ، اللغة العربية ، لغة القرآن الكريم.
أما مصر ، فقد استطاعت أن تخرج من هذا الفخ الذى نصب لها بفعل عوامل عديدة ، كان من أبرزها وجود الأزهر الشريف ، الذى كان له من تأثيره الدينى واللغوى ما يعد صمام أمان ، وحماية للغة العربية من الضياع والضعف ، وصيانة للألسنة من تغلب العامية ، واللهجات المحلية من السيطرة والتغلب على لغة الحديث والكتابة ، وبالتالى لم يسمح للغة الأجنبية أن تزحزح اللغة العربية عن مكانها ومكانتها التى لها فى النفوس ، والتربية والتعليم.
وها نحن الآن نرى مظاهر نشاطات لتلك الأجهزة المهيمنة على أمور التعليم والتثقيف ، والدعوة الإسلامية فى الاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم ، وعقد الحلقات التى يشترك فيها الكثير من الأطفال والشباب ، وعقد مسابقات يتبارى فيها الجميع فى مختلف المحافظات ، والمدارس ، والمساجد.
وهذه الصحوة المباركة ، إنما هى إعداد للحياة الكريمة عن طريق القيم النبيلة التى يتلقاها الجميع من وراء الآيات القرآنية ، والتعرّف على أهدافها ومراميها.
قد تكون هناك دعوات أخرى معارضة لهذه الاتجاهات ، كما نشر أخيرا فى إحدى الصحف عن اعتراض أحد أولياء الأمور على تكليف أطفاله حفظ آيات من القرآن الكريم ، وقد يكون فى ذلك ما يعارض عقيدتهم أو ما يؤثر فى تفكيرهم.
لقد تولى مواطن آخر يشترك معه فى العقيدة ، الرد ، فأنكر عليه قوله ، وأعلمه بما لهذا التعليم والحفظ لآيات الله من آثار خلقية ولغوية فى مصلحة الطفل أن يتعلمهما ، ويقتدى بتلك القيم التى تدعو إليها ، فهى قيم مشتركة بين الأديان جميعها ، لا تختلف من دين لآخر ، ثم ضرب أمثله عديدة من تاريخ زعماء ملكوا ناصية البيان ، وأجادوا حفظ القرآن الكريم ، ولم يكن ذلك بمخرج لهم عمّا هم فيه من اعتقاد ، ولم يريد هذا الأب أن يخرج ابنه معوج اللسان ، سقيم التعبير ، لا يستطيع أن ينطق بجملة صحيحة فى بنائها وتركيبها؟ أيرضى أن يستقى أسلوبه وتعليمه من أساليب البشر ، ولا يحب أن يأخذ ذلك من قرآن خالق البشر؟.