تحس بما كانت تنعم به قبل ذلك من نعمة.
كما لا يحس الإنسان بقيمة ما ينعم به من صحة ، وراحة نفس وجسد ، ونعم أنعم الله بها عليه ، إلا إذا ألمت به تلك المتاعب الصحية والجسدية التى تصيبه فى عضو من أعضائه ، فتمنعه الحركة ، أو تقعد به عن السعى فى سبيل العيش ... إلخ ما هنالك من أمور متناقضة ومتقابلة تحمل فى طياتها غموضا أو تعميما.
ونحن فى معرض كلامنا عن المعجزات ، إنما نقصد إلى تجلية الحقائق ، وإبراز الحكمة الإلهية من وراء استعراض تلك المعونات الكبرى التى منحها الله جل فى علاه لأوليائه الصالحين المخلصين ، وعباده المرسلين ، وأنبيائه المصطفين على مر العصور وما كان لذلك من أثر فى الهداية والإرشاد للأقوام السابقين ، ثم الانتقال بعد ذلك إلى تلك المعجزة الخاتمة الكبرى ، وهى معجزة القرآن الكريم.
فما المقصود بالمعجزة؟
وكما يفهم من اسمها ، فهى أمر خلقه الله تعالى بقدرته القاهرة ، لا تستطيع قدرة البشر على إحداثه ، كما لا يمكن لقواهم الجسدية ، والعقلية ، والروحية ، أن تفعله أو تحدثه ، فليس بمستطاع إبراهيم ، عليهالسلام ، أن يمنع النار من الإحراق ، كما لا يستطيع موسى ، عليهالسلام ، أن يجعل العصا ثعبانا مبينا يلتقط ما فعل سحرة فرعون ، وليس بإمكان عيسى ، عليهالسلام ، أن يحيى الموتى ، أو أن يبرئ الأكمه والأبرص.
ولكن الله جلت قدرته منح هؤلاء العباد قوة من عنده ، تجعلهم يقدرون على إحداث ذلك أمام الناس الذين يشعرون بالعجز أمام تلك القوى ، يمنح الله هؤلاء العباد والرسل تلك الخوارق والمعجزات تأييدا لهم ، وتصديقا لما أتوا به من رسالة ، ولا يستطيع البشر أن يأتوا بمثل هذا الأمر الخارق للعادة ؛ لأنه بقدرة الله جرى على أيديهم.
ويرى ابن خلدون فى مقدمته ، أن الرسول يحمل إلى قومه أمرين :
١ ـ شريعة يوحى بها إليه ، ويدعو الناس إلى اتباعها.
٢ ـ معجزة بين يدى هذا الموحى به تشهد له بأنه رسول من عند الله ، وأنه صادق فيما يتلقاه ، فلا ينظر قومه فى دعوته قبل أن يقيم لهم الحجة على أنه رسول من عند الله إليهم ، وذلك مما يظهره الله على يديه من المعجزات المادية والمحسوسة.