الأمم الباقية والخالية (جَعَلْنا) أى عينا ووضعنا (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) خاصين بتلك الأمة ، لا تكاد أمة تتخطى شرعتها التى عينت
لها ، فالأمة التى كانت من مبعث موسى إلى عيسى ، عليهماالسلام ، شرعتهم التوراة ، والتى كانت من مبعث عيسى إلى النبى صلىاللهعليهوسلم شرعتهم الإنجيل ، وأما أنتم أيها الموجودون من سائر
المخلوقات ، فشرعتكم القرآن ليس إلا ، فآمنوا به وآمنوا بما فيه.
وقال العلامة
الجمل فى حواشيه على الجلالين : قال ابن عباس : قوله : (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) سنة وسبيلا. وقال قتادة : سبيلا وسنة ، فالسنن مختلفة ،
فللتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة يحل الله بها عزوجل فيها ما يشاء ، ويحرم ما يشاء ، ليعلم من يطيعه ممن
يعصيه ، والدين الذى لا يقبل التغير هو التوحيد والإخلاص لله تعالى والإيمان بما
جاءت به جميع الرسل ، عليهمالسلام. وقال علىّ بن أبى طالب : الإيمان منذ بعث آدم ، عليهالسلام ، شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء من عند
الله تعالى ، ولكل قوم شرعة ومنهاج.
قال العلماء :
وردت آيات دالة على عدم التباين بين طرق الأنبياء ، منها قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى
بِهِ نُوحاً) إلى قوله : (أَنْ أَقِيمُوا
الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣] ، ومنها قوله سبحانه : (أُولئِكَ الَّذِينَ
هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠].
وردت آيات دالة
على حصول التباين بينها ، منها هذه الآية ، وهى قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهاجاً) ، وطريق الجمع بين هذه الآيات أن كل آية دلت على عدم
التباين ، فهى محمولة على أصول الدين من الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله
، واليوم الآخر ، فكل ذلك جاءت به الرسل من عند الله تعالى ، فلم يختلفوا فيه. وأما
الآيات الدالة على حصول التباين بينها ، فمحمول على الفروع وما يتعلق بمظاهر
العبادات ، فجائز أن يتعبد الله عباده فى كل وقت بما شاء ، فهذا هو طريق الجمع بين
الآيات ، والله أعلم بأسرار كتابه. انتهى.
هذا هو القرآن
الحكيم ، وهذا هو فهم الراسخين من أولى العلم فيه ، نقلناه ليكون حجة نيرة ،
وبرهانا ساطعا على من انحرف فى القول وخلط فيه ، وبعد عن الصواب والمنهج المستقيم.