وقد ابتدأ
تحصيله العلميّ الواسع بقراءة القرآن وحفظه على جماعة من المعلمين ، وختمه على
الفقيه حسن ابن عبد الله الهبل ، وجوّده على جماعة من مشايخ القرآن بصنعاء ، ثم
انتقل إلى حفظ كثير من المتون ، «كالأزهار» للإمام مهدي في الفقه ، و «مختصر
الفرائض» للعصيفري ، و «الملحة» للحريري ، و «الكافية» و «الشافية» لابن الحاجب ، و
«التهذيب» للتفتازاني ، و «التخليص» في علوم البلاغة للقزويني ... وغيرها.
وقرأ عدة كتب
في التاريخ والأدب ، ثم شرع بالسّماع والطلب على العلماء البارزين في اليمن ؛ حتى
استوفى كلّ ما عندهم من كتب ، تشمل العلوم الدينية واللسانية والعقلية والرياضية
والفلكية ، وكان في هذه المرحلة يجمع بين التحصيل العلميّ والتدريس ، فهو يلقي على
تلاميذه ما تلقّاه بدوره عن مشايخه ، حتى إذا استوفى كل ما عرفه أو سمع عنه من كتب
؛ تفرّغ لإفادة طلّاب العلم ، فكانت دروسه اليومية تزيد على عشرة دروس في اليوم في
فنون متعدّدة ؛ مثل التفسير ، والحديث ، والأصول ، والمعاني ، والبيان ، والمنطق ،
وتقدّم للإفتاء وهو في نحو العشرين من عمره ، ولم يعترض عليه شيوخه في ذلك.
٣ ـ حياته العلمية
ومناصبه :
تمتاز حياة
الشوكاني العلمية بالجد والمثابرة ، والحيوية والنشاط ، والذكاء الفطريّ ، وقد ظهر
هذا في اتّساع ثقافته ، وعمق تفكيره ، وتصدّيه للإصلاح والاجتهاد ، وقد لمسنا هذا
من خلال نشأته حيث جمع بين الدراسة والتدريس ، كما وفّق بين إلقاء الدروس اليومية
العديدة والتأليف.
ومن الثابت أنه
لم يرحل في طلب العلم ، وكان تحصيله مقتصرا على علماء صنعاء ؛ لعدم إذن أبويه له
في السفر منها ، وقد عوّض عن ذلك بالسّماع والإجازة والقراءة لكل ما وقعت عليه يده
من الكتب ، وفي مختلف العلوم ، كما استوفى كلّ ما عند علماء اليمن من كتب ومعارف ،
وزاد في قراءته الخاصة على ما ليس عندهم.
ولم يقتصر
الشوكاني رحمهالله تعالى في حياته العلمية منذ شبابه وحتى وفاته على الجمع
والمحاكاة ، مثل الكثير من علماء عصره ، بل دعا إلى ثورة عارمة في نبذ التعصب
والتقليد ، والنظر في الأدلة ، والعودة إلى هدي الكتاب والسّنة. وهذا الموقف
العلمي المتميّز ؛ أكسبه تحفزا زائدا واستحضارا دائما ؛ في مواجهة تحدّي الشانئين
له من المقلدين والحاسدين ، وجعله في طليعة المجدّدين المجتهدين ، الذين أسهموا في
إيقاظ الأمّة الإسلامية من سباتها العميق ، في العصر الحديث.
ورغم زهده في
المناصب ، وانعزاله عن طلّاب الدنيا ورجال الحكم والسياسة ، وتفرغه للعلم ، فإن
الدنيا جاءته صاغرة ، واختير للقضاء العام في صنعاء ، وهو في السادسة والثلاثين من
عمره ، ثم جمع بين القضاء والوزارة ، فأصبح متوليا شؤون اليمن الداخلية والخارجية
، وسار في الناس بأحسن سيرة ، ممتعا بشخصية قوية ، وسمعة طيبة ، مضيفا إلى أمجاد
أمته المسلمة تجربة فريدة فذة ، تجمع بين العلم والعمل ، والحكم والعدالة.