بقوله تعالى : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) (١) وقوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢) وقوله : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (٣) وهذه المسألة طويلة مذكورة في علم الكلام. انتهى. وقوله : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ) في محل نصب وصفا للفاسقين. والنقض : إفساد ما أبرم من بناء أو حبل أو عهد ، والنقاضة : ما نقض من حبل الشعر. والعهد : قيل هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره ، وقيل : هو وصية الله إلى خلقه ، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسن رسله ، ونقضهم ذلك : ترك العمل به ؛ وقيل : بل هو نصب الأدلة على وحدانيته بالسموات والأرض وسائر مخلوقاته ، ونقضه : ترك النظر فيه ؛ وقيل : هو ما عهده إلى الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس. والميثاق : العهد المؤكد باليمين ، مفعال من الوثاقة وهي الشدّة في العقد والربط ، والجمع المواثيق والمياثيق ؛ وأنشد ابن الأعرابي :
حمى لا يحلّ الدهر إلا بإذننا |
|
ولا نسأل الأقوام عهد المياثق |
واستعمال النقض في إبطال العهد على سبيل الاستعارة. والقطع معروف ، والمصدر في الرحم القطيعة ، وقطعت الحبل قطعا ، وقطعت النهر قطعا. «وما» في قوله : (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ) في موضع نصب بيقطعون و (أَنْ يُوصَلَ) في محل نصب بأمر. ويحتمل أن يكون بدلا من ما ، أو من الهاء في به. واختلفوا ما هو الشيء الذي أمر الله بوصله فقيل : الأرحام ؛ وقيل : أمر أن يوصل القول بالعمل ؛ وقيل : أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب البعض الآخر ؛ وقيل : المراد به حفظ شرائعه وحدوده التي أمر في كتبه المنزلة وعلى ألسن رسله بالمحافظة عليها فهي عامة ، وبه قال الجمهور ، وهو الحق. والمراد بالفساد في الأرض الأفعال والأقوال المخالفة لما أمر الله به ، كعبادة غيره والإضرار بعباده وتغيير ما أمر بحفظه ؛ وبالجملة فكل ما خالف الصلاح شرعا أو عقلا فهو فساد. والخسران : النقصان ، والخاسر ، هو الذي نقص نفسه من الفلاح والفوز ، وهؤلاء لما استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل كان عملهم فسادا لما نقصوا أنفسهم من الفلاح والربح. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) قال المنافقون : الله أعلى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال ؛ فأنزل الله (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) الآية. وأخرج الواحدي في تفسيره ، عن ابن عباس قال : إن الله ذكر آلهة المشركين فقال : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) (٤) وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت ، فقالوا : أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أيّ شيء كان يصنع بهذا؟ فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحو قول ابن عباس. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : لما نزلت : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) (٥) قال المشركون : ما هذا من الأمثال فيضرب؟ فأنزل الله هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) قال : يؤمن به المؤمن ، ويعلمون أنه الحق من
__________________
(١). الحجرات : ١١.
(٢). التوبة : ٦٧.
(٣). الحجرات : ٧.
(٤). الحج : ٧٣.
(٥). الحج : ٧٣.