(فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ) أي : فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين ، والعطف على الشرطية السابقة ، والتأنيث والتثنية ؛ وكذلك الجمع في قوله : (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً) باعتبار الخبر (فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) المرء إن لم يكن له ولد كما سلف ، وما فوق الاثنتين من الأخوات يكون لهنّ الثلثان بالأولى (وَإِنْ كانُوا) أي : من يرث بالأخوّة (إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً) أي : مختلطين ذكورا وإناثا (فَلِلذَّكَرِ) منهم (مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) تعصيبا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) أي : يبين لكم حكم الكلالة وسائر الأحكام كراهة أن تضلوا ، هكذا حكاه القرطبي عن البصريين. وقال الكسائي : المعنى لئلا تضلوا ، ووافقه الفراء وغيره من الكوفيين (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من الأشياء التي هذه الأحكام المذكورة منها (عَلِيمٌ) أي : كثير العلم.
وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وأهل السنن ، وغيرهم عن جابر بن عبد الله قال : «دخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ ثم صبّ عليّ فعقلت ، فقلت : إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض» وأخرجه عنه ابن سعد ، وابن أبي حاتم بلفظ : أنزلت في (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ). وأخرج ابن راهويه ، وابن مردويه عن عمر أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كيف تورث الكلالة : فأنزل الله : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) الآية. وأخرج مالك ، ومسلم وابن جرير والبيهقي عن عمر قال : ما سألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن شيء أكثر مما سألته في الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : «ما تكفيك آية الصيف (١) التي في آخر سورة النساء». وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والبيهقي عن البراء بن عازب قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فسأله عن الكلالة؟ فقال : «تكفيك آية الصيف». وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن عمر قال : ثلاث وددت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان عهد إلينا فيهنّ عهدا ننتهي إليه : الجدّ ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن البراء ابن عازب قال : آخر سورة نزلت كاملة : براءة ، وآخر آية نزلت : خاتمة سورة النساء : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ). وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن سيرين قال : كان عمر ابن الخطاب إذا قرأ : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) قال : اللهمّ من بيّنت له الكلالة فلم تتبين لي.
وقد أوضحنا الكلام خلافا واستدلالا وترجيحا في شأن الكلالة في أوائل هذه السورة فلا نعيده.
إلى هنا انتهى الجزء الأوّل من التفسير المبارك : المسمى «فتح القدير» الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير بقلم مؤلفه الراجي من ربه سبحانه أن يعينه على تمامه ، وينفع به من شاء من عباده ، ويجعله ذخيرة له عند وفوده إلى دار الآخرة «محمد بن علي بن محمد الشوكاني» غفر الله لهما.
وكان الانتهاء إلى هذا الموضع في يوم العيد الأكبر ، يوم النحر المبارك من سنة أربع وعشرين بعد مائتين
__________________
(١). جاء في الموطأ لمالك [٢ / ٥١٥] : الآية التي أنزلت في الصيف.