افتتحت به السورة من أمر النساء ، وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها ، فسألوا ، فقيل لهم : (اللهُ يُفْتِيكُمْ). قوله : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) معطوف على قوله : (اللهُ يُفْتِيكُمْ) والمعنى : والقرآن الذي يتلى عليكم يفتيكم فيهن. والمتلوّ في الكتاب في معنى اليتامى : قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) (١) ويجوز أن يكون قوله : (وَما يُتْلى) معطوفا على الضمير في قوله : (يُفْتِيكُمْ) الراجع إلى المبتدأ ، لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمفعول والجار والمجرور ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، وفي الكتاب : خبره ، على أن المراد به : اللوح المحفوظ ، وقد قيل في إعرابه غير ما ذكرنا ، ولم نذكره لضعفه. وقوله : (فِي يَتامَى النِّساءِ) على الوجه الأوّل والثاني : صلة لقوله : (يُتْلى) وعلى الوجه الثالث : بدل من قوله : (فِيهِنَ). (اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) أي : ما فرض لهنّ من الميراث وغيره (وَتَرْغَبُونَ) معطوف على قوله : (لا تُؤْتُونَهُنَ) عطف جملة مثبتة على جملة منفية. وقيل : حال من فاعل (تُؤْتُونَهُنَ). وقوله : (أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) يحتمل أن يكون التقدير : في أن تنكحوهن ، أي : ترغبون في أن تنكحوهنّ لجمالهن ، ويحتمل أن يكون التقدير : وترغبون عن أن تنكحوهنّ لعدم جمالهنّ. قوله : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) معطوف على يتامى النساء ، أي : وما يتلى عليكم في يتامى النساء ، وفي المستضعفين من الولدان ، وهو قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) (٢) وقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ومن كان مستضعفا من الولدان كما سلف ، وإنما يورثون الرجال القائمين بالقتال وسائر الأمور. قوله : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) معطوف على قوله : (فِي يَتامَى النِّساءِ) كالمستضعفين ، أي : وما يتلى عليكم في يتامى النساء وفي المستضعفين وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط ، أي : العدل ، ويجوز أن يكون في محل نصب ، أي : ويأمركم أن تقوموا. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) في حقوق المذكورين (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) يجازيكم بحسب فعلكم من خير وشر.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم ، وصححه عن ابن عباس في قوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) الآية ، قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر ، ولا يورثون المرأة ، فلما كان الإسلام قال : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) في أوّل السورة في الفرائض. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئا ، كانوا يقولون : لا يغزون ، ولا يغنمون خيرا. ففرض الله لهنّ الميراث حقا واجبا. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه بأطول منه. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن إبراهيم في الآية قال : كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها وحبسوها من التزويج حتى تموت فيرثونها ، فأنزل الله هذا. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن عائشة في قوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) إلى قوله : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) قالت : هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها قد شركته في ماله حتى في العذق (٣) ، فيرغب أن ينكحها ، ويكره أن يزوّجها رجلا فتشركه في ماله بما شركته ، فيعضلها ،
__________________
(١). النساء : ٣.
(٢). النساء : ١١.
(٣). قال في القاموس : العذق بالفتح : النخلة بحملها ، والعذق بالكسر : القنو منها ، والعنقود من العنب.