سبيل. قال : والعابر السبيل : المجتاز مرّا وقطعا ، يقال منه : عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا ، ومنه قيل : عبر فلان النهر إذا قطعه وجاوزه ؛ ومنه قيل للناقة القوية : هي عبر أسفار ، لقوّتها على قطع الأسفار. قال ابن كثير : وهذا الذي نصره ، يعني : ابن جرير ، هو قول الجمهور ، وهو الظاهر من الآية. انتهى. قوله : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) غاية للنهي عن قربان الصلاة أو مواضعها حال الجنابة. والمعنى : لا تقربوها حال الجنابة حتى تغتسلوا إلا حال عبوركم السبيل. قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) المرض : عبارة عن خروج البدن عن حدّ الاعتدال والاعتياد إلى الاعوجاج والشذوذ ، وهو على ضربين كثير ويسير. والمراد هنا : أن يخاف على نفسه التلف أو الضرر باستعمال الماء ، أو كان ضعيفا في بدنه لا يقدر على الوصول إلى موضع الماء. وروي عن الحسن أنه يتطهر وإن مات ، وهذا باطل يدفعه قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) وقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (٢) وقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (٣) قوله : (أَوْ عَلى سَفَرٍ) فيه جواز التيمم لمن صدق عليه اسم المسافر ، والخلاف مبسوط في كتب الفقه ، وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يشترط أن يكون سفر قصر ، وقال قوم : لا بد من ذلك ، وقد أجمع العلماء على جواز التيمم للمسافر. واختلفوا في الحاضر ، فذهب مالك ، وأصحابه ، وأبو حنيفة ، ومحمد : إلى أنه يجوز في الحضر والسفر. وقال الشافعي : لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف التلف. قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) هو المكان المنخفض ، والمجيء منه : كناية عن الحدث ، والجمع : الغيطان والأغواط ، وكانت العرب تقصد هذا الصنف من المواضع لقضاء الحاجة تسترا عن أعين الناس ، ثم سمي الحدث الخارج من الإنسان غائطا توسعا ، ويدخل في الغائط جميع الأحداث الناقضة للوضوء. قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) قرأ نافع وابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : (لامَسْتُمُ) وقرأ حمزة ، والكسائي : لمستم قيل : المراد بها بما في القراءتين : الجماع ؛ وقيل : المراد به : مطلق المباشرة ؛ وقيل : إنه يجمع الأمرين جميعا. وقال محمد بن يزيد المبرد : الأولى في اللغة أن يكون (لامَسْتُمُ) بمعنى قبلتم ونحوه ، ولمستم بمعنى غشيتم.
واختلف العلماء في معنى ذلك على أقوال ، فقالت فرقة : الملامسة هنا مختصة باليد دون الجماع ، قالوا : والجنب لا سبيل له إلى التيمم بل يغتسل أو يدع الصلاة حتى يجد الماء. وقد روي هذا عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود. قال ابن عبد البر : لم يقل بقولهما في هذه المسألة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي ، وحملة الآثار. انتهى. وأيضا : الأحاديث الصحيحة تدفعه وتبطله ، كحديث عمار ، وعمران بن حصين ، وأبي ذرّ في تيمم الجنب. وقال طائفة : هو الجماع كما في قوله : (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (٤) ، وقوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (٥) وهو مرويّ عن عليّ ، وأبيّ بن كعب ، وابن عباس ، ومجاهد ، وطاوس ، والحسن ، وعبيد بن عمير ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وقتادة ، ومقاتل بن حبان ، وأبي حنيفة. وقال مالك : الملامس بالجماع يتيمم ، والملامس باليد يتيمم إذا التذّ ، فإن لمسها بغير شهوة فلا وضوء ، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال الشافعي : إذا أفضى الرجل بشيء من بدنه إلى بدن المرأة سواء كان باليد أو غيرها من أعضاء الجسد انتقضت به الطهارة وإلا فلا. وحكاه القرطبي عن ابن مسعود ، وابن عمر ، والزهري ،
__________________
(١). الحج : ٧٨.
(٢). النساء : ٢٩.
(٣). البقرة : ١٨٥.
(٤). الأحزاب : ٤٩.
(٥). البقرة : ٢٣٧.