صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله لا يملّ حتى تملّوا».
وإنما قال : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) لأنه يفيد التجدّد وقتا بعد وقت ، وهو أشدّ عليهم ، وأنكأ لقلوبهم ، وأوجع لهم من الاستهزاء الدائم الثابت المستفاد من الجملة الاسمية ، لما هو محسوس من أن العقوبة الحادثة وقتا بعد وقت ، والمتجددة حينا بعد حين ، أشدّ على من وقعت عليه من العذاب الدائم المستمرّ لأنه يألفه ويوطّن نفسه عليه. والمدّ : الزيادة قال يونس بن حبيب : يقال مدّ في الشرّ وأمدّ في الخير ، ومنه : (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) (١) (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ) (٢). وقال الأخفش : مددت له : إذا تركته ، وأمددته : إذا أعطيته. وقال الفرّاء واللحياني : مددت فيما كانت زيادته من مثله ، يقال : مدّ النهر ، ومنه : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) (٣) وأمددت فيما كانت زيادته من غيره ، ومنه : (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) (٤) والطغيان مجاوزة الحدّ والغلوّ في الكفر ومنه : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) (٥) أي تجاوز المقدار الذي قدّرته الخزان. وقوله في فرعون : (إِنَّهُ طَغى) (٦) أي أسرف في الدعوى حيث قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٧).
والعمه والعامة : الحائر المتردد ، وذهبت إبله العمّهى : إذا لم يدر أين ذهبت ، والعمه في القلب كالعمى في العين. قال في الكشاف : العمه مثل العمى. إلا أن العمى في البصر والرأي ، والعمه في الرأي خاصة. انتهى. والمراد أن الله سبحانه يطيل لهم المدّة ويمهلهم كما قال : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (٨). قال ابن جرير : (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم يترددون حيارى ضلّالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا ، لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها ، وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها ، فلا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبيلا.
وقد أخرج الواحدي والثعلبي بسند واه ـ لأن فيه محمد بن مروان ، وهو متروك ـ عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، وذكر قصة وقعت لهم مع أبي بكر وعمر وعليّ رضي الله عنهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم أو بعضهم قالوا : إنا على دينكم : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) وهم إخوانهم قالوا : (إِنَّا مَعَكُمْ) على مثل ما أنتم عليه : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بأصحاب محمد : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) قال : يسخر بهم للنقمة منهم : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) قال : في كفرهم ، (يَعْمَهُونَ) قال : يتردّدون. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه بمعناه وأطول منه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه بنحو الأوّل. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) قال : رؤسائهم في الكفر. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : (وَإِذا خَلَوْا) أي مضوا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحو ما قاله ابن مسعود. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : (وَيَمُدُّهُمْ) قال : يملي لهم. (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) قال : في كفرهم يتمادون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحو ما قاله ابن مسعود في تفسير يعمهون. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن
__________________
(١). الإسراء : ٦.
(٢). الطور : ٢٢.
(٣). لقمان : ٢٧.
(٤). آل عمران : ١٢٥.
(٥). الحاقة : ١١.
(٦). النازعات : ١٧.
(٧). النازعات : ٢٤.
(٨). آل عمران : ١٧٨.