وابن عيينة ، وإسحاق ، وغيرهم. وقال مالك وأبو حنيفة : تمام البيع : هو أن يعقد البيع بالألسنة فيرتفع بذلك الخيار. وأجابوا عن الحديث بما لا طائل تحته. وقد قرئ : تجارة بالرفع : على أن كان تامة ، وتجارة بالنصب : على أنها ناقصة قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي : لا يقتل بعضكم أيها المسلمون بعضا إلا بسبب أثبته الشرع ، أو : لا تقتلوا أنفسكم باقتراف المعاصي. أو المراد : النهي عن أن يقتل الإنسان نفسه حقيقة. ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني. ومما يدل على ذلك : احتجاج عمرو بن العاص بها حين لم يغتسل بالماء حين أجنب في غزاة ذات السلاسل ، فقرّر النبي صلىاللهعليهوسلم احتجاجه ، وهو في مسند أحمد ، وسنن أبي داود ، وغيرهما. وقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : القتل خاصة ، أو أكل أموال الناس ظلما ، والقتل عدوانا وظلما ؛ وقيل : هو إشارة إلى كل ما نهي عنه في هذه السورة ، وقال ابن جرير : إنه عائد على ما نهي عنه من آخر وعيد وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) (١) لأن كل ما نهي عنه من أول السورة قرن به وعيد ، إلا من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ) فإنه لا وعيد بعده ، إلا قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً) والعدوان : تجاوز الحدّ. والظلم : وضع الشيء في غير موضعه ؛ وقيل : إن معنى العدوان والظلم واحد ، وتكريره لقصد التأكيد كما في قول الشاعر :
وألفى قولها كذبا ومينا (٢)
وخرج بقيد العدوان والظلم ما كان من القتل بحق ، كالقصاص ، وقتل المرتد ، وسائر الحدود الشرعية ، وكذلك قتل الخطأ. قوله : (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ) جواب الشرط ، أي : ندخله نارا عظيمة (وَكانَ ذلِكَ) أي : إصلاؤه النار (عَلَى اللهِ يَسِيراً) لأنه لا يعجزه بشيء. وقرئ : (نُصْلِيهِ) بفتح النون ، روي ذلك عن الأعمش ، والنخعي ، وهو على هذه القراءة منقول من : صلي ، ومنه : شاة مصلية. قوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : إن تجتنبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : ذنوبكم التي هي صغائر ، وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها ، وجعل اجتنابها شرطا لتكفير السيئات.
وقد اختلف أهل الأصول في تحقيق معنى الكبائر ثم في عددها ، فأما في تحقيقها فقيل : إن الذنوب كلها كبائر ، وإنما يقال لبعضها : صغيرة ، بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ، يقال : الزنا صغيرة ، بالإضافة إلى الكفر ، والقبلة المحرّمة صغيرة ، بالإضافة إلى الزنا ، وقد روي نحو هذا عن الإسفرايني والجويني ، والقشيري ، وغيرهم ، قالوا : والمراد بالكبائر التي يكون اجتنابها سببا لتكفير السيئات : هي الشرك ، واستدلوا على ذلك :
بقراءة من قرأ : إن تجتنبوا كبير ما تنهون عنه وعلى قراءة الجمع ، فالمراد : أجناس الكفر ، واستدلوا على ما قالوه : بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٣) قالوا : فهذه
__________________
(١). النساء : ١٩.
(٢). هذا عجز بيت لعديّ بن زيد ، وصدره : فقدّدت الأديم لراهشيه.
(٣). النساء : ٤٨.