عن سلمان أنه قرأ هذه الآية فقال : لم يجيء أهل هذه الآية بعد. قال ابن جرير : يحتمل أن سلمان أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادا من الذين كانوا في زمن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد. انتهى. ويحتمل أن سلمان يرى أن هذه الآية ليست في المنافقين ، بل يحملها على مثل أهل الفتن التي يدين أهلها بوضع السيف في المسلمين ؛ كالخوارج وسائر من يعتقد في فساده أنه صلاح لما يطرأ عليه من الشبه الباطلة.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
أي : وإذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم من المهاجرين والأنصار أجابوا بأحمق جواب وأبعده عن الحقّ والصواب ، فنسبوا إلى المؤمنين السفه استهزاء واستخفافا ، فتسبّبوا بذلك إلى تسجيل الله عليهم بالسفه بأبلغ عبارة وآكد قول. وحصر السفاهة وهي رقّة الحلوم وفساد البصائر وسخافة العقول فيهم ، مع كونهم لا يعملون أنهم كذلك إما حقيقة أو مجازا ، تنزيلا لإصرارهم على السفه منزلة عدم العلم بكونهم عليه ، وأنهم متصفون به ؛ ولما ذكر الله هنا السفه ناسبه نفي العلم عنهم لأنه لا يتسافه إلّا جاهل. والكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف : أي إيمانا كإيمان الناس.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) أي صدّقوا كما صدّق أصحاب محمد أنّه نبيّ ورسول ، وأن ما أنزل عليه حق ، (قالُوا : أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) يعنون أصحاب محمد (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) يقول : الجهّال (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) يقول : لا يعقلون. وروي عن ابن عساكر في تاريخه بسند واه أنه قال : آمنوا كما آمن النّاس أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) قال : يعنون أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وأخرج عن الربيع وابن زيد مثله. وروى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود : أي إذا قيل لهم ـ يعني اليهود ـ : (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) عبد الله بن سلام وأصحابه (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ).
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥))
(لَقُوا) أصله لقيوا ، نقلت الضمة إلى القاف وحذفت الياء لالتقاء الساكنين. ومعنى لقيته ولاقيته : استقبلته قريبا. وقرأ محمد بن السّميقع اليماني وأبو حنيفة : لاقوا : وأصله لاقيوا تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. وخلوت بفلان وإليه : إذا انفردت به. وإنما عدّي بإلى