وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء ، حسن أن يندب إلى الوصية ، ويحمل على أن يقدّم لنفسه ، وإذا ترك ورثته ضعفاء مفلسين ، حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط ، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين. قال القرطبي : وهذا التفصيل صحيح. قوله : (لَوْ تَرَكُوا) صلة الموصول ، والفاء في قوله : (فَلْيَتَّقُوا) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ؛ والمعنى : وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا ، وذلك عند احتضارهم ، خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم ، ثم أمرهم بتقوى الله ، والقول السديد للمحتضرين ، أو لأولادهم من بعدهم على ما سبق. قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى) استئناف يتضمن النهي عن ظلم الأيتام من الأولياء والأوصياء. وانتصاب قوله : (ظُلْماً) على المصدرية ، أي : أكل ظلم ، أو على الحالية ، أي : ظالمين لهم. وقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) أي : ما يكون سببا للنار ، تعبيرا بالمسبب عن السبب ، وقد تقدّم تفسير مثل هذه الآية. وقوله : (وَسَيَصْلَوْنَ) قراءة عاصم وابن عامر : بضم الياء ، على ما لم يسم فاعله. وقرأ أبو حيوة : بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام ، من التصلية ، بكثرة الفعل مرة بعد أخرى. وقرأ الباقون : بفتح الياء ، من : صلى النار ، يصلاها ، والصلي : هو التسخن بقرب النار أو مباشرتها ، ومنه قول الحارث بن عباد :
لم أكن من جناتها علم اللّ |
|
ه وإنّي لحرّها اليوم صالي |
والسعير : الجمر المشتعل.
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار حتى يدركوا ، فمات رجل من الأنصار يقال له : أوس بن ثابت ، وترك ابنتين وابنا صغيرا ، فجاء ابنا عمه وهما عصبته إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذا ميراثه كله ، فجاءت امرأته إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت الآية ، فأرسل إليهما رسول الله فقال : لا تحركا من الميراث شيئا ، فإنه قد أنزل عليّ شيء احترت فيه ، إن للذكر والأنثى نصيبا ، ثم نزل بعد ذلك : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) ، ثم نزل : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) فدعا بالميراث ، فأعطى المرأة الثمن ، وقسّم ما بقي : للذكر مثل حظ الأنثيين. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : نزلت في أم كلثوم وابنة أم كحلة ، أو أم كجّة ، وثعلبة بن أوس ، وسويد ، وهم من الأنصار ، كان أحدهم زوجا والآخر عم ولدها ، فقالت : يا رسول الله! توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث من ماله ، فقال عمّ ولدها : يا رسول الله! لا تركب فرسا ، ولا تنكي عدوا ، ويكسب عليها ولا تكتسب ، فنزلت. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) قال : هي محكمة وليست بمنسوخة. وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن خطاب بن عبد الله في هذه الآية قال : قضى بها أبو موسى. وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم. وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة عن الحسن والزهري ، قالا : هي محكمة ما طابت