الهاء. وقرأه الجمهور : بإثبات الهاء في الوصل ، والتسنه : مأخوذ من السنة ، أي : لم تغيره السنون ، وأصلها : سنهة ، أو سنوة ، من سنهت النخلة وتسنهت : إذا أتت عليها السنون ، ونخلة سنّاء : أي تحمل سنة ولا تحمل أخرى ، وأسنهت عند بني فلان : أقمت عندهم ، وأصله : يتسنا سقطت الألف للجزم والهاء للسكت ، وقيل : هو من أسن الماء : إذا تغير ، وكان يجب على هذا أن يقال يتأسن من قوله : (حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (١) قاله أبو عمرو الشيباني. وقال الزجاج : ليس كذلك ، لأن قوله : (مَسْنُونٍ) ليس معناه متغير ، وإنما معناه مصبوب على سنة الأرض. وقوله : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) اختلف المفسرون في معناه ؛ فذهب الأكثر إلى أن معناه انظر إليه كيف تفرّقت أجزاؤه ، ونخرت عظامه؟ ثم أحياه الله ، وعاد كما كان. وقال الضحاك ووهب ابن منبه : انظر إلى حمارك قائما في مربطه ، لم يصبه شيء بعد أن مضت عليه مائة عام ، ويؤيد القول الأول : قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) ويؤيد القول الثاني : مناسبته لقوله : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) وإنما ذكر سبحانه عدم تغير طعامه وشرابه بعد إخباره أنه لبث مائة عام ، مع أن عدم تغير ذلك الطعام والشراب لا يصلح أن يكون دليلا على تلك المدة الطويلة ، بل على ما قاله من لبثه يوما أو بعض يوم ، لزيادة استعظام ذلك الذي أماته الله تلك المدة ، فإنه إذا رأى طعامه وشرابه لم يتغير مع كونه قد ظنّ أنه لم يلبث إلّا يوما أو بعض يوم زادت الحيرة وقويت عليه الشبهة ، فإذا نظر إلى حماره عظاما نخرة تقرّر لديه أن ذلك صنع من تأتي قدرته بما لا تحيط به العقول ، فإن الطعام والشراب سريع التغير. وقد بقي هذه المدّة الطويلة غير متغير ، والحمار يعيش المدة الطويلة. وقد صار كذلك : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). قوله : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) قال الفراء : إنه أدخل الواو في قوله : (وَلِنَجْعَلَكَ) دلالة على أنها شرط لفعل بعدها ؛ معناه : ولنجعلك آية للناس ، ودلالة على البعث بعد الموت جعلنا ذلك. وإن شئت جعلت الواو مقحمة زائدة. قال الأعمش : موضع كونه آية : هو أنه جاء شابا على حاله يوم مات ، فوجد الأبناء والحفدة شيوخا. قوله : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) قرأ الكوفيون ، وابن عامر : بالزاي ، والباقون : بالراء. وروى أبان عن عاصم : «ننشرها» بفتح النون الأولى وسكون الثانية وضم الشين والراء. وقد أخرج الحاكم وصحّحه عن زيد بن ثابت : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ «كيف ننشزها» بالزاي ، فمعنى القراءة بالزاي : نرفعها ، ومنه النشز : وهو المرتفع من الأرض ، أي : يرفع بعضها إلى بعض. وأما معنى القراءة بالراء المهملة فواضحة من أنشر الله الموتى ، أي : أحياهم وقوله : (ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) أي : نسترها به كما نستر الجسد باللباس ، فاستعار اللباس لذلك ، كما استعاره النابغة للإسلام فقال :
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي |
|
حتّى اكتسيت من الإسلام سربالا |
قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) أي : ما تقدّم ذكره من الآيات ، التي أراه الله سبحانه ، وأمره بالنظر إليها والتفكير فيها قال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يستعصي عليه شيء من الأشياء. قال ابن جرير : المعنى في قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) أي : لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه (قالَ أَعْلَمُ) وقال أبو علي الفارسي : معناه : أعلم أن هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته. وقرأ حمزة
__________________
(١). الحجر : ٢٦.