وابن أبي حاتم عن معاذ أنه سئل عن قوله : (لَا انْفِصامَ لَها) قال : لا انقطاع لها دون دخول الجنة. وأخرج ابن المنذر ، والطبراني عن ابن عباس في قوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، قال : هم قوم كانوا كفروا بعيسى فآمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم (الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) الآية ، قال : هم قوم آمنوا بعيسى فلما بعث محمد كفروا به. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : الظلمات الكفر. والنور : الإيمان. وأخرج أبو الشيخ عن السدي مثله.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨))
في هذه الآية استشهاد على ما تقدم ذكره من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت ، وهمزة الاستفهام لإنكار النفي والتقرير المنفي ، أي : ألم ينته علمك أو نظرك إلى هذا الذي صدرت منه هذه المحاجة؟ قال الفراء : ألم تر بمعنى : هل رأيت ، أي : هل رأيت الذي حاجّ إبراهيم؟ وهو : النمروذ بن كوس بن كنعان بن سلم ابن نوح ، وقيل : إنه النمروذ بن فالخ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام. وقوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي : لأن آتاه الله ، أو من أجل أن آتاه الله ، على معنى : أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتو ، فحاج لذلك ، أو على أنه وضع المحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه من الشكر ، كما يقال : عاديتني لأني أحسنت إليك ، أو وقت أن آتاه الله الملك. وقوله : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) هو ظرف لحاج ؛ وقيل : بدل من قوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) على الوجه الأخير وهو بعيد. قوله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) بفتح ياء ربي ، وقرئ بحذفها. قوله : (أَنَا أُحْيِي) قرأ جمهور القراء : أنا أحيي بطرح الألف التي بعد النون من أنا في الوصل وأثبتها نافع وابن أبي أويس كما في قول الشاعر :
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني |
|
حميدا قد تذرّيت السّناما |
أراد إبراهيم عليهالسلام : أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد ، وأراد الكافر : أنه يقدر أن يعفو عن القتل فيكون ذلك إحياء ، وعلى أن يقتل فيكون ذلك إماتة ، فكان هذا جوابا أحمق ، لا يصح نصبه في مقابلة حجّة إبراهيم ، لأنه أراد غير ما أراد الكافر ، فلو قال له : ربه الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد فهل تقدر على ذلك؟ لبهت الذي كفر بادئ بدء وفي أوّل وهلة ، ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى تنفيسا لخناقه ، وإرسالا لعنان المناظرة فقال : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة ، ولا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ومشاغبة. قوله : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) بهت الرجل وبهت وبهت : إذا انقطع وسكت متحيرا. قال ابن جرير : وحكي عن بعض العرب في هذا المعنى : بهت بفتح الباء والهاء. قال ابن جني : قرأ أبو حيوة : فبهت بفتح الباء وضم الهاء ، وهي لغة في بهت بكسر الهاء ؛ قال : وقرأ ابن السميقع : فبهت بفتح الباء والهاء ، على معنى : فبهت إبراهيم الذي