وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والبيهقي في السنن ، والضياء في المختارة عن ابن عباس. وقد وردت هذه القصة من وجوه ، حاصلها ما ذكره ابن عباس مع زيادات تتضمن أن الأنصار قالوا إنما جعلناهم على دينهم ، أي : دين اليهود ، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا ، وأن الله جاء بالإسلام فلنكرهنهم ؛ فلما نزلت خيّر الأبناء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يكرههم على الإسلام. وهذا يقتضي أن أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم وأدّوا الجزية. وأما أهل الحرب فالآية وإن كانت تعمهم ، لأن النكرة في سياق النفي وتعريف الدين يفيدان ذلك ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لكن قد خص هذا العموم بما ورد من آيات في إكراه أهل الحرب من الكفار على الإسلام. قوله : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) الرشد هنا : الإيمان ، والغيّ : الكفر ، أي : قد تميز أحدهما من الآخر. وهذا استئناف يتضمن التعليل لما قبله. والطاغوت فعلوت من طغى يطغى ويطغو : إذا جاوز الحدّ. قال سيبويه : هو اسم مذكر مفرد ، أي : اسم جنس يشمل القليل والكثير ؛ وقال أبو علي الفارسي : إنه مصدر ، كرهبوت ، وجبروت ، يوصف به الواحد والجمع ، وقلبت لامه إلى موضع العين وعينه إلى موضع اللام كجبذ وجذب ، ثم تقلب الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها ، فقيل : طاغوت ، واختار هذا القول النحاس ؛ وقيل : أصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق ، كما قيل : لآلئ من اللؤلؤ. وقال المبرد : هو جمع. قال ابن عطية : وذلك مردود. قال الجوهري : والطاغوت : الكاهن ، والشيطان ، وكل رأس في الضلال ، وقد يكون واحدا. قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) (١) وقد يكون جمعا. قال الله تعالى : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) والجمع الطواغيت ، أي : فمن يكفر بالشيطان ؛ أو الأصنام ؛ أو أهل الكهانة ؛ ورؤوس الضلالة ، أو الجميع (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) عزوجل بعد ما تميز له الرشد من الغيّ ، فقد فاز وتمسك بالحبل الوثيق ، أي : المحكم. والوثقى : فعلى من الوثاقة ، وجمعها وثق مثل الفضلى والفضل. وقد اختلف المفسرون في تفسير العروة الوثقى بعد اتفاقهم على أن ذلك من باب التشبيه والتمثيل لما هو معلوم بالدليل ، بما هو مدرك بالحاسة ؛ فقيل : المراد بالعروة : الإيمان ، وقيل : الإسلام ، وقيل : لا إله إلا الله ، ولا مانع من الحمل على الجميع. والانفصام : الانكسار من غير بينونة. قال الجوهري : فصم الشيء : كسره من غير أن يبين. وأما القصم بالقاف فهو الكسر مع البينونة ، وفسر صاحب الكشاف الانفصام بالانقطاع. قوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) الولي : فعيل بمعنى فاعل ، وهو الناصر. وقوله : (يُخْرِجُهُمْ) تفسير للولاية ، أو حال من الضمير في وليّ ، وهذا يدل على أن المراد بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) الذين أرادوا الإيمان ، لأن من قد وقع منه الإيمان قد خرج من الظلمات إلى النور إلا أن يراد بالإخراج : إخراجهم من الشبه التي تعرض للمؤمنين فلا يحتاج إلى تقدير الإرادة ، والمراد بالنور في قوله : (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) ما جاء به أنبياء الله من الدعوة إلى الدين ، فإن ذلك نور للكفار أخرجهم أولياؤهم عنه إلى ظلمة الكفر ، أي : قررهم أولياؤهم على ما هم عليه من الكفر بسبب صرفهم عن إجابة الداعي إلى الله من الأنبياء. وقيل : المراد بالذين كفروا هنا : الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم ؛ يخرجهم أولياؤهم من
__________________
(١). النساء : ٦٠.