متعارضان فقد غلط غلطا بينا. قوله : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) وهو موسى ، ونبينا سلام الله عليهما. وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في آدم : «إنه نبي مكلم». وقد ثبت ما يفيد ذلك في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر. قوله : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) هذا البعض يحتمل أن يراد به من عظمت منزلته عند الله سبحانه من الأنبياء ، ويحتمل أن يراد به نبينا صلىاللهعليهوسلم لكثرة مزاياه المقتضية لتفضيله ، ويحتمل أن يراد به إدريس ؛ لأن الله سبحانه أخبرنا بأنه رفعه مكانا عليا ؛ وقيل : إنهم أولو العزم ؛ وقيل : إبراهيم ، ولا يخفاك أن الله سبحانه أبهم هذا البعض المرفوع ، فلا يجوز لنا التعرّض للبيان له إلا ببرهان من الله سبحانه ، أو من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، ولم يرد ما يرشد إلى ذلك ، فالتعرّض لبيانه هو من تفسير القرآن الكريم بمحض الرأي ، وقد عرفت ما فيه من الوعيد الشديد مع كون ذلك ذريعة إلى التفضيل بين الأنبياء وقد نهينا عنه ؛ وقد جزم كثير من أئمة التفسير أنه نبينا صلىاللهعليهوسلم ، وأطالوا في ذلك ، واستدلوا لما خصه الله به من المعجزات ، ومزايا الكمال ، وخصال الفضل ، وهم ـ بهذا الجزم بدليل لا يدل على المطلوب ـ قد وقعوا في خطرين ، وارتكبوا نهيين ، وهما : تفسير القرآن بالرأي ، والدخول في ذرائع التفضيل بين الأنبياء ، وإن لم يكن ذلك تفضيلا صريحا ؛ فهو ذريعة إليه بلا شك ولا شبهة ، ، لأن من جزم بأن هذا البعض المرفوع درجات هو النبيّ الفلاني انتقل من ذلك إلى التفضيل المنهيّ عنه ، وقد أغنى الله نبينا المصطفى صلىاللهعليهوسلم عن ذلك بما لا يحتاج معه إلى غيره من الفضائل والفواضل ، فإياك أن تتقرّب إليه صلىاللهعليهوسلم بالدخول في أبواب نهاك عن دخولها فتعصيه ، وتسيء ، وأنت تظن أنك مطيع محسن. قوله : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) أي : الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة من إحياء الأموات وإبراء المرضى وغير ذلك. قوله : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) هو جبريل ، وقد تقدّم الكلام على هذا. قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من بعد الرسل ؛ وقيل : من بعد موسى وعيسى ومحمد ، لأن الثاني مذكور صريحا ، والأول والثالث وقعت الإشارة إليهما بقوله : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) أي : لو شاء الله عدم اقتتالهم ما اقتتلوا ، فمفعول المشيئة محذوف على القاعدة (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) استثناء من الجملة الشرطية ، أي : ولكن الاقتتال ناشئ عن اختلافهم اختلافا عظيما ، حتى صاروا مللا مختلفة (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ) عدم اقتتالهم بعد هذا الاختلاف (مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) لا رادّ لحكمه ، ولا مبدّل لقضائه ، فهو يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى : (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) قال : اتخذ الله إبراهيم خليلا ، وكلم موسى تكليما ، وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ، وهو عبد الله وكلمته وروحه ، وآتى داود زبورا ، وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن مجاهد في قوله : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) قال : كلم الله موسى ، وأرسل محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى الناس كافة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي في قوله : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) قال : محمدا صلىاللهعليهوسلم. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يقول : من بعد موسى وعيسى. وأخرج ابن عساكر عن