أراد : تطلبون نكاحها لكثرة مالها ، ولن تسلموها لقلة مالها ، والاستدراك بقوله : (وَلكِنْ) من مقدّر محذوف دلّ عليه (سَتَذْكُرُونَهُنَ) أي : فاذكروهنّ (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا). قال ابن عطية : أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث : من ذكر جماع ، أو تحريض عليه ، لا يجوز. وقال أيضا : أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدّة للمرأة في نفسها ، وللأب في ابنته البكر وللسيد في أمته. قوله : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) قيل : هو استثناء منقطع بمعنى : لكن ، والقول المعروف : هو ما أبيح من التعريض. ومنه صاحب الكشاف أن يكون منقطعا وقال : هو مستثنى من قوله : (لا تُواعِدُوهُنَ) أي : لا تواعدوهن مواعدة قط ؛ إلا مواعدة معروفة غير منكرة ، فجعله على هذا استثناء مفرغا ، ووجه منع كونه منقطعا : أنه يؤدي إلى جعل التعريض موعودا وليس كذلك ، لأن التعريض طريق المواعدة ، لا أنه الموعود في نفسه. قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) قد تقدّم الكلام في معنى العزم ، يقال : عزم الشيء ، وعزم عليه ، والمعنى هنا : لا تعزموا على عقدة النكاح ثم حذف على. قال سيبويه : والحذف في هذه الآية لا يقاس عليه. وقال النحاس : يجوز أن يكون المعنى ولا تعقدوا عقدة النكاح ، لأن معنى تعزموا وتعقدوا واحد ؛ وقيل : إن العزم على الفعل يتقدّمه فيكون في هذا النهي مبالغة ، لأنه إذا نهى عن المتقدم على الشيء ، كان النهي عن ذلك الشيء بالأولى. قوله : (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) يريد حتى تنقضي العدّة ، والكتاب هنا : هو الحدّ ، والقدر الذي رسم من المدّة ، سماه : كتابا ، لكونه محدودا ، ومفروضا ، كقوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (١) وهذا الحكم أعني : تحريم عقد النكاح في العدّة مجمع عليه.
وقد أخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والبخاري وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس في قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) قال : التعريض أن تقول : إني أريد التزويج ، وإني لأحب المرأة من أمرها وأمرها ، وإن من شأني النساء ، ولوددت أن الله يسر لي امرأة صالحة. وأخرج ابن جرير عنه أنه يقول لها : إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ، ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك ، ونحو هذا من الكلام. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه قال : يقول إني فيك لراغب ، ولوددت أني تزوجتك. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن الحسن في قوله : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) قال : أسررتم. وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك مثله. وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير عن الحسن في قوله : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَ) قال : بالخطيئة. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير عن مجاهد قال : ذكره إياها في نفسه. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) قال : يقول لها إني عاشق ، وعاهديني أن لا تتزوّجي غيري ، ونحو هذا (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) وهو قوله : إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك. وأخرج ابن جرير عنه في السرّ : أنه الزنا ، كان الرجل يدخل من أجل الزنا وهو يعرض بالنكاح. وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر في قوله : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال : يقول إنك لجميلة ، وإنك إليّ خير ، وإن النساء من حاجتي. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَلا تَعْزِمُوا
__________________
(١). النساء : ١٠٣.