والولد ، فاحتمل أن يضاف الوارث إلى كل منهم. قوله : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً) الضمير للوالدين. والفصال : الفطام عن الرضاع ، أي : التفريق بين الصبيّ والثدي ، ومنه سمي الفصيل لأنه مفصول عن أمه. وقوله : (عَنْ تَراضٍ مِنْهُما) أي : صادرا عن تراض من الأبوين إذا كان الفصال قبل الحولين (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) في ذلك الفصال. سبحانه لما بين أن مدّة الرضاع حولين كاملين قيد ذلك بقوله : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) وظاهره أن الأب وحده إذا أراد أن يفصل الصبيّ قبل الحولين كان ذلك جائزا له ، وهنا اعتبر سبحانه تراضي الأبوين وتشاورهما ، فلا بدّ من الجمع بين الأمرين بأن يقال : إن الإرادة المذكورة في قوله : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) لا بدّ أن تكون منهما ، أو يقال : إن تلك الإرادة إذا لم يكن الأبوان للصبيّ حيين بأن كان الموجود أحدهما ، أو كانت المرضعة للصبي ظئرا غير أمه. والتشاور : استخراج الرأي ، يقال : شرت العسل : استخرجته ، وشرت الدابة : أجريتها لاستخراج جريها ، فلا بدّ لأحد الأبوين إذا أراد فصال الرضيع أن يراضي الآخر ، ويشاوره ، حتى يحصل الاتفاق بينهما على ذلك. قوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) قال الزجاج : التقدير أن تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة. وعن سيبويه أنه حذف اللام لأنه يتعدّى إلى مفعولين ، والمفعول الأول محذوف ، والمعنى : أن تسترضعوا المراضع أولادكم (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ) بالمدّ ، أي : أعطيتم ، وهي قراءة الجماعة إلا ابن كثير ، فإنه قرأ بالقصر ، أي : فعلتم ، ومنه قول زهير :
وما كان من خير أتوه فإنّما |
|
توارثه آباء آبائهم قبل |
والمعنى : أنه لا بأس عليكم أن تسترضعوا أولادكم غير أمهاتهم ؛ إذا سلمتم إلى الأمهات أجرهنّ بحساب ما قد أرضعن لكم إلى وقت إرادة الاسترضاع ، قاله سفيان الثوري ومجاهد. وقال قتادة ، والزهري : إن معنى الآية : إذا سلمتم ما آتيتم من إرادة الاسترضاع ، أي : سلم كل واحد من الأبوين ، ورضي ، وكان ذلك عن اتفاق منهما ، وقصد خير ، وإرادة معروف من الأمر ، وعلى هذا فيكون قوله : (سَلَّمْتُمْ) عاما للرجال والنساء تغليبا ، وعلى القول الأول الخطاب للرجال فقط ؛ وقيل : المعنى : إذا سلمتم لمن أردتم استرضاعها أجرها ، فيكون المعنى إذا سلمتم ما أردتم إيتاءه ، أي : إعطاءه إلى المرضعات بالمعروف : أي : بما يتعارفه الناس من أجر المرضعات ، من دون مماطلة لهنّ ، أو حط بعض ما هو لهنّ من ذلك ، فإن عدم توفير أجرهنّ يبعثهن على التساهل بأمر الصبيّ والتفريط في شأنه.
وقد أخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وأبو داود في ناسخه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) قال : المطلقات. (حَوْلَيْنِ) قال : سنتين. (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) يقول : لا تأبى أن ترضعه لتشق على أبيه. (وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) يقول : ولا يضارّ الولد بولده ، فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها لذلك. (وَعَلَى الْوارِثِ) قال : يعني : الوليّ من كان. (مِثْلُ ذلِكَ) قال : النفقة بالمعروف ، وكفالته ، ورضاعه ، إن لم يكن