وأصل هذه الكلمة من السيلان والانفجار يقال : حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة : أي : سالت رطوبتها ، ومنه الحيض : أي : الحوض ، لأن الماء يحوض إليه : أي : يسيل. وقوله : (قُلْ هُوَ أَذىً) أي : قل هو شيء يتأذى به ، أي : برائحته ، والأذى : كناية عن القذر ، ويطلق على القول المكروه ، ومنه قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (١). ومنه قوله تعالى : (وَدَعْ أَذاهُمْ) (٢) وقوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) أي : فاجتنبوهنّ في زمان الحيض ؛ إن حمل المحيض على المصدر ، أو في محل الحيض ؛ إن حمل على الاسم. والمراد من هذا الاعتزال : ترك المجامعة ، لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز ، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج ، أو بما دون الإزار ، على خلاف في ذلك ؛ وأما ما يروى عن ابن عباس ، وعبيدة السلماني : أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك بشيء ، ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض ، وهو معلوم من ضرورة الدين. قوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم في رواية حفص عنه : بسكون الطاء وضم الهاء. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية أبي بكر : (يَطْهُرْنَ) بتشديد الطاء وفتحها وفتح الهاء وتشديدها. وفي مصحف أبيّ وابن مسعود ويتطهّرن والطهر : انقطاع الحيض ، والتطهر : الاغتسال. وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم ، فذهب الجمهور : إلى أن الحائض لا يحلّ وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء. وقال محمد بن كعب القرظي ويحيى بن بكير : إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل. وقال مجاهد وعكرمة : إن انقطاع الدم يحلها لزوجها ، ولكن تتوضأ وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل ، وإن كان انقطاعه قبل العشر ؛ لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة. وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد. والأولى أن يقال : إن الله سبحانه جعل للحلّ غايتين كما تقتضيه القراءتان : إحداهما انقطاع الدم ، والأخرى التطهر منه ، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى ، فيجب المصير إليها. وقد دلّ أن الغاية الأخرى هي المعتبرة. قوله تعالى بعد ذلك : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر ، لا مجرد انقطاع الدم. وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين ، فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة ، كذلك يجب الجمع بين القراءتين. قوله : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) أي : فجامعوهن ، وكنى عنه بالإتيان. والمراد : أنهم يجامعونهنّ في المأتى الذي أباحه الله ، وهو القبل ، قيل : و (مِنْ حَيْثُ) بمعنى : في حيث ، كما في قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) (٣) أي : في يوم الجمعة ، وقوله : (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) (٤) أي : في الأرض ؛ وقيل : إن المعنى : من الوجه الذي أذن الله لكم فيه : أي : من غير صوم وإحرام واعتكاف ؛ وقيل : إن المعنى : من قبل الطهر ، لا من قبل الحيض ؛ وقيل : من قبل الحلال ، لا من قبل الزنا. قوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) قيل : المراد : التوابون من الذنوب ، والمتطهرون من الجنابة والأحداث ، وقيل : التوابون من إتيان النساء في أدبارهنّ ؛ وقيل : من إتيانهن في الحيض ، والأول أظهر. قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)
__________________
(١). البقرة : ٢٦٤.
(٢). الأحزاب : ٤٨.
(٣). الجمعة : ٩.
(٤). فاطر : ٤٠.