المضارعة ورفع الاسم الشريف على أنه فاعل ؛ والمعنى : ويعلم الله منه خلاف ما قال ، ومثله قوله تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١) وقراءة الجماعة أبلغ في الذمّ. وقرأ ابن عباس : والله يشهد على ما في قلبه وقرأ أبيّ وابن مسعود : ويستشهد الله على ما في قلبه. وقوله : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) متعلق بالقول ، أو بيعجبك ؛ فعلى الأوّل : القول صادر في الحياة ، وعلى الثاني : الإعجاب صادر فيها. والألدّ : الشديد الخصومة. يقال : رجل ألدّ ، وامرأة لداء ، ولددته ألدّه : إذا جادلته فغلبته ، ومنه قول الشاعر :
وألدّ ذي حنق عليّ كأنّما |
|
تغلي عداوة صدره في مرجل |
والخصام : مصدر خاصم ، قاله الخليل ؛ وقيل : جمع خصم ، قاله الزجاج ؛ ككلب وكلاب ، وصعب وصعاب ، وضخم وضخام. والمعنى : أنه أشدّ المخاصمين خصومة ، لكثرة جداله وقوّة مراجعته ، وإضافة الألدّ إلى الخصام بمعنى في ، أي : ألدّ في الخصام ، أو جعل الخصام ألدّ على المبالغة. وقوله : (وَإِذا تَوَلَّى) أي : أدبر ، وذهب عنك يا محمد! وقيل : إنه بمعنى : ضلّ وغضب ؛ وقيل : إنه بمعنى : الولاية ، أي : إذا كان واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض. والسعي المذكور يحتمل أن يكون المراد به : السعي بالقدمين إلى ما هو فساد في الأرض ، كقطع الطريق ، وحرب المسلمين ، ويحتمل أن يكون المراد به : العمل في الفساد ، وإن لم يكن فيه سعي بالقدمين ، كالتدبير على المسلمين بما يضرّهم ، وإعمال الحيل عليهم ، وكل عمل يعمله الإنسان بجوارحه أو حواسه يقال له : سعى ، وهذا هو الظاهر من هذه الآية. وقوله : (وَيُهْلِكَ) عطف على قوله : (لِيُفْسِدَ) وفي قراءة أبيّ : وليهلك. وقراءة قتادة بالرفع. وروي عن ابن كثير : (وَيُهْلِكَ) بفتح الياء ؛ وضم الكاف ؛ ورفع الحرث والنسل ، وهي قراءة الحسن ؛ وابن محيصن. والمراد بالحرث : الزرع ، والنسل : الأولاد ؛ وقيل الحرث : النساء. قال الزجّاج : وذلك لأن النفاق يؤدي إلى تفريق الكلمة ووقوع القتال ، وفيه هلاك الخلق ؛ وقيل معناه : أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل. وأصل الحرث في اللغة : الشق ، ومنه المحراث لما يشق به الأرض ، والحرث : كسب المال وجمعه. وأصل النسل في اللغة : الخروج والسقوط ومنه نسل الشعر ، ومنه أيضا : (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٢) (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٣) ويقال لما خرج من كل أنثى : نسل ، لخروجه منها. وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) يشمل كل نوع من أنواعه من غير فرق بين ما فيه فساد الدين ، وما فيه فساد الدنيا. والعزة : القوّة والغلبة ، من عزّه يعزّه : إذا غلبه ، ومنه (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) (٤) ؛ وقيل العزة هنا : الحمية ، ومنه قول الشاعر :
أخذته عزّة من جهله |
|
فتولّى مغضبا فعل الضّجر |
وقيل : العزة هنا : المنعة وشدّة النفس. ومعنى : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) حملته العزة على الإثم ، من قولك : أخذته بكذا : إذا حملته عليه ، وألزمته إياه ؛ وقيل : أخذته العزة بما يؤثمه ، أي : ارتكب الكفر للعزة ، ومنه : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) (٥) وقيل : الباء في قوله : (بِالْإِثْمِ) بمعنى اللام ، أي : أخذته
__________________
(١). المنافقون : ١.
(٢). يس : ٥١.
(٣). الأنبياء : ٩٦.
(٤). ص : ٢٣.
(٥). ص : ٢.