بضوئه السماء وذلك ليلة السابع. وإنما قيل له : هلال ، لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه عند رؤيته ، ومنه استهلّ الصبي : إذا صاح ، واستهلّ وجهه وتهلّل : إذا ظهر فيه السرور. قوله : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) فيه بيان وجه الحكمة في زيادة الهلال ونقصانه ، وأن ذلك لأجل بيان المواقيت التي يوقت الناس عباداتهم ؛ ومعاملاتهم بها ، كالصوم ، والفطر ، والحج ، ومدّة الحمل ، والعدّة والإجارات ، والأيمان وغير ذلك ، ومثله قوله تعالى : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) (١) والمواقيت : جمع الميقات ، وهو الوقت. وقراءة الجمهور : (وَالْحَجِ) بفتح الحاء. وقرأ ابن أبي إسحاق بكسرها في جميع القرآن. قال سيبويه : الحج بالفتح كالردّ والشدّ ، وبالكسر كالذكر : مصدران بمعنى ؛ وقيل : بالفتح مصدر ، وبالكسر الاسم. وإنما أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت ، ولا يجوز فيه النسيء عن وقته ، ولعظم المشقة على من التبس عليه وقت مناسكه أو أخطأ وقتها أو وقت بعضها. وقد جعل بعض علماء المعاني هذا الجواب ، أعني قوله : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ) من الأسلوب الحكيم ، وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب ، تنبيها على أنه الأولى بالقصد ، ووجه ذلك : أنهم سألوا عن أجرام الأهلة باعتبار زيادتها ونقصانها ، فأجيبوا بالحكمة التي كانت تلك الزيادة والنقصان لأجلها ، لكون ذلك أولى بأن يقصد السائل ، وأحق بأن يتطلع لعلمه. وقوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) وجه اتصال هذا بالسؤال عن الأهلة والجواب بأنها مواقيت للناس والحج : أن الأنصار كانوا إذا حجّوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم إذا رجع أحدهم إلى بيته بعد إحرامه قبل تمام حجه ، لأنهم يعتقدون أن المحرم لا يجوز أن يحول بينه وبين السماء حائل ، وكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم. وقال أبو عبيدة : إن هذا من ضرب المثل ، والمعنى : ليس البرّ أن تسألوا الجهال ، ولكن البرّ التقوى ، واسألوا العلماء ، كما تقول : أتيت هذا الأمر من بابه ؛ وقيل : هو مثل في جماع النساء ، وأنهم أمروا بإتيانهنّ في القبل لا في الدبر ؛ وقيل غير ذلك. والبيوت : جمع بيت ؛ وقرئ بضم الباء وكسرها. وقد تقدّم تفسير التقوى والفلاح ، وسبق أيضا أن التقدير في مثل قوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) : ولكن البرّ برّ من اتقى.
وقد أخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) قال : نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنمة. وهما رجلان من الأنصار قالا : يا رسول الله! ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقا مثل الخيط ، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ، ثم لا يزال ينقص ويدقّ حتى يعود كما كان ؛ لا يكون على حال واحد؟ فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ) في حلّ دينهم ، ولصومهم ، ولفطرهم ، وعدد نسائهم ، والشروط التي إلى أجل. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة قال : سألوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن الأهلة لم جعلت؟ فأنزل الله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) الآية ، فجعلها لصوم المسلمين ، ولإفطارهم ، ولمناسكهم ، وحجهم ، وعدد نسائهم ، ومحل دينهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية نحوه. وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس نحوه ، وقد روى ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه. وأخرج الحاكم وصحّحه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جعل الله الأهلّة مواقيت
__________________
(١). الإسراء : ١٢.