من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان |
والثاني : أن جوابه مقدّر قبله. أي : كتب الوصية للوالدين والأقربين إن ترك خيرا. واختلف أهل العلم في مقدار الخير ، فقيل : ما زاد على سبعمائة دينار ، وقيل : ألف دينار ؛ وقيل : ما زاد على خمسمائة دينار. والوصية في الأصل : عبارة عن الأمر بالشيء ، والعهد به في الحياة وبعد الموت ، وهي هنا : عبارة عن الأمر بالشيء لبعد الموت. وقد اتفق أهل العلم على وجوب الوصية على من عليه دين أو عنده وديعة أو نحوها. وأما من لم يكن كذلك فذهب أكثرهم إلى أنها غير واجبة عليه سواء كان فقيرا أو غنيا ؛ وقال طائفة : إنها واجبة. ولم يبين الله سبحانه هاهنا القدر الذي كتب الوصية به للوالدين والأقربين ؛ فقيل : الخمس ؛ وقيل : الربع ؛ وقيل : الثلث. وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ فذهب جماعة إلى أنها محكمة ، قالوا : وهي وإن كانت عامة فمعناها الخصوص. والمراد بها من الوالدين من لا يرث كالأبوين الكافرين ومن هو في الرقّ ، ومن الأقربين من عدا الورثة منهم. قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوصية للوالدين الذين لا يرثان ، والأقرباء الذين لا يرثون جائزة. وقال كثير من أهل العلم : إنها منسوخة بآية المواريث مع قوله صلىاللهعليهوسلم «لا وصيّة لوارث» وهو حديث صححه بعض أهل الحديث ، وروي من غير وجه. وقال بعض أهل العلم : إنه نسخ الوجوب ونفى الندب ، وروي عن الشعبي والنخعي ومالك. قوله : (بِالْمَعْرُوفِ) أي : العدل ، لا وكس فيه ولا شطط. وقد أذن الله للميت بالثلث دون ما زاد عليه. قوله : (حَقًّا) مصدر معناه : الثبوت والوجوب. قوله : (فَمَنْ بَدَّلَهُ) هذا الضمير عائد إلى الإيصاء المفهوم من الوصية ، وكذلك الضمير في قوله : (سَمِعَهُ) والتبديل : التغيير ، والضمير في قوله : (فَإِنَّما إِثْمُهُ) راجع إلى التبديل المفهوم من قوله : (بَدَّلَهُ) وهذا وعيد لمن غير الوصية المطابقة للحقّ التي لا جنف فيها ولا مضارة ، وأنه يبوء بالإثم ، وليس على الموصي من ذلك شيء ، فقد تخلص مما كان عليه بالوصية به. قال القرطبي : ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز ، مثل أن يوصي بخمر ؛ أو خنزير ؛ أو شيء من المعاصي ؛ أنه يجوز تبديله ، ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث. قاله أبو عمر. انتهى. والجنف : المجاوزة ، من جنف يجنف : إذا جاوز ، قاله النحاس ؛ وقيل : الجنف : الميل ، ومنه قول الأعشى :
تجانف عن حجر (١) اليمامة ناقتي |
|
وما قصدت من أهلها لسوائكا |
قال في الصّحاح : الجنف : الميل ، وكذا في الكشاف. وقال لبيد :
إنّي امرؤ منعت أرومة عامر |
|
ضيمي وقد جنفت عليّ خصومي |
وقوله : (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) أي : أصلح ما وقع بين الورثة من الشقاق والاضطراب بسبب الوصية ؛
__________________
(١). في لسان العرب : «عن جوّ».