الحسن : عذابه أن يرد الدية فقط ، ويبقى إثمه إلى عذاب الآخرة. وقال عمر بن عبد العزيز : أمره إلى الإمام يصنع فيه ما رأى. قوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) أي : لكم في هذا الحكم الذي شرعه الله لكم حياة ، لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصا إذا قتل آخر ؛ كفّ عن القتل ، وانزجر عن التسرع إليه والوقوع فيه ، فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الإنسانية. وهذا نوع من البلاغة بليغ ، وجنس من الفصاحة رفيع ، فإنه جعل القصاص الذي هو مات حياة باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا ، إبقاء على أنفسهم واستدامة لحياتهم ؛ وجعل هذا الخطاب موجها إلى أولي الألباب. لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب ويتحامون ما فيه الضرر الآجل ؛ وأما من كان مصابا بالحمق والطيش والخفة فإنه لا ينظر عند سورة غضبه وغليان مراجل طيشه إلى عاقبة ولا يفكر في أمر مستقبل ، كما قال بعض فتاكهم :
سأغسل عني العار بالسّيف جالبا |
|
عليّ قضاء الله ما كان جالبا |
ثم علّل سبحانه هذا الحكم الذي شرعه لعباده بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي : تتحامون القتل بالمحافظة على القصاص ؛ فيكون ذلك سببا للتقوى. وقرأ أبو الجوزاء : ولكم في القصص حياة قيل : أراد بالقصص القرآن ، أي : لكم في كتاب الله الذي شرع فيه القصاص حياة ، أي : نجاة ، وقيل : أراد حياة القلوب ؛ وقيل : هو مصدر بمعنى القصاص ، والكل ضعيف ، والقراءة به منكرة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل ، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء ؛ ولم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا ، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال ، فحلفوا ألّا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحرّ منهم ، وبالمرأة منا الرجل منهم ، فنزلت هذه الآية. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن الشعبي نحوه. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ، ولكن يقتلون الرجل بالرجل ، والمرأة بالمرأة ، فأنزل الله : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم في العمد رجالهم ونساءهم في النفس وفيما دون النفس ، وجعل العبيد مستوين في العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساءهم. وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن أبي مالك قال : كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول فكأنهم طلبوا الفضل ، فجاء النبيّ صلىاللهعليهوسلم ليصلح بينهم ، فنزلت هذه الآية : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) قال ابن عباس : فنسختها (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصحّحه والبيهقي في سننه عن ابن عباس (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) قال : هو العمد رضي أهله بالعفو. (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) أمر به الطالب (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) من القابل ، قال : يؤدي المطلوب بإحسان. (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) مما كان على بني إسرائيل. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عنه من وجه آخر. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن الدية فيهم ، فقال الله لهذه الأمة : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) إلى قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) فالعفو : أن تقبل الدية في العمد (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ