قوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) يعني وأتمّ الصّلاة المكتوبة (وَآتَى الزَّكاةَ) يعني الزكاة المفروضة. وأخرج الترمذي ، وابن ماجة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن عديّ ، والدارقطني ، وابن مردويه عن فاطمة بنت قيس قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «في المال حقّ سوى الزكاة ، ثم قرأ : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) الآية». وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) قال : فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه ، ومن أعطى ذمة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم غدر بها فالنبيّ صلىاللهعليهوسلم خصمه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) يعني : فيما بينهم وبين الناس. وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال : (الْبَأْساءِ) : الفقر (وَالضَّرَّاءِ) : السقم (وَحِينَ الْبَأْسِ) : حين القتال. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) قال : فعلوا ما ذكر الله في هذه الآية. وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) قال : تكلموا بكلام الإيمان ، فكانت حقيقة العمل صدقوا الله. قال : وكان الحسن يقول : هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل ، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩))
قوله : (كُتِبَ) معناه : فرض ، وأثبت ، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
كتب القتل والقتال علينا |
|
وعلى الغانيات جرّ الذّيول |
وهذا إخبار من الله سبحانه لعباده بأنه شرع لهم ذلك ، وقيل : إن (كُتِبَ) هنا إشارة إلى ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ. و (الْقِصاصُ) أصله : قصّ الأثر : أي : اتباعه ، ومنه : القاصّ ، لأنه يتتبع الآثار ، وقصّ الشعر : اتباع أثره ، فكأن القاتل يسلك طريقا من القتل ، يقصّ أثره فيها ، ومنه قوله تعالى : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) (١) وقيل : إن القصاص مأخوذ من القص وهو القطع ، يقال : قصصت ما بينهما : أي : قطعته. وقد استدلّ بهذه الآية القائلون بأن الحرّ لا يقتل بالعبد ، وهم الجمهور. وذهب أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، وداود إلى أنه يقتل به. قال القرطبي : وروي ذلك عن عليّ ، وابن مسعود. وبه قال سعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، والحكم بن عتيبة ، واستدلوا بقوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٢) وأجاب الأولون عن هذا الاستدلال بأن قوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) مفسر لقوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وقالوا أيضا : إن قوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) يفيد : أن ذلك حكاية عما شرعه لبني إسرائيل في التوراة. ومن جملة ما استدل به الآخرون قوله
__________________
(١). الكهف : ٦٤.
(٢). المائدة : ٤٥.