عند تحويل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الكعبة ؛ وقيل : إن سبب نزولها أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم سائل ، وسيأتي ذلك آخر البحث إن شاء الله. وقوله : (قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) قيل : أشار سبحانه بذكر المشرق إلى قبلة النصارى ؛ لأنهم يستقبلون مطلع الشمس ، وأشار بذكر المغرب إلى قبلة اليهود ؛ لأنهم يستقبلون بيت المقدس ؛ وهو في جهة الغرب منهم إذ ذاك. وقوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ) : هو اسم جامع للخير ، وخبره محذوف تقديره : برّ من آمن. قاله الفراء ، وقطرب ، والزجاج ؛ وقيل : إن التقدير : ولكن ذو البر من آمن ، ووجه هذا التقدير : الفرار عن الإخبار باسم العين عن اسم المعنى ، ويجوز أن يكون البرّ بمعنى البار ، وهو يطلق المصدر على اسم الفاعل كثيرا ، ومنه في التنزيل : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) (١) أي : غائرا ، وهذا اختيار أبي عبيدة. والمراد بالكتاب هنا : الجنس ، أو القرآن ، والضمير في قوله : (عَلى حُبِّهِ) راجع إلى المال ؛ وقيل : راجع إلى الإيتاء المدلول عليه بقوله : (وَآتَى الْمالَ) وقيل : إنه راجع إلى الله سبحانه ، أي : على حبّ الله ، والمعنى على الأوّل : أنه أعطى المال وهو يحبه ويشح به ، ومنه قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٢) والمعنى على الثاني : أنه يحب إيتاء المال وتطيب به نفسه ، والمعنى على الثالث : أنه أعطى من تضمنته الآية في حبّ الله عزوجل لا لغرض آخر ، وهو مثل قوله : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) (٣) ومثله قول زهير :
إنّ الكريم على علّاته هرم
وقدّم ذوي القربى لكون دفع المال إليهم صدقة وصلة إذا كانوا فقراء ، هكذا اليتامى الفقراء أولى بالصدقة من الفقراء الذين ليسوا بيتامى ، لعدم قدرتهم على الكسب. والمسكين : الساكن إلى ما في أيدي الناس لكونه لا يجد شيئا. (وَابْنَ السَّبِيلِ) : المسافر المنقطع ، وجعل ابنا للسبيل لملازمته له. وقوله : (وَفِي الرِّقابِ) أي : في معاونة الأرقاء الذين كاتبهم المالكون لهم ؛ وقيل : المراد شراء الرقاب وإعتاقها ؛ وقيل : المراد فك الأسارى. وقوله : (وَآتَى الزَّكاةَ) فيه دليل على أن الإيتاء المتقدم هو صدقة الفريضة. وقوله : (وَالْمُوفُونَ) قيل : هو معطوف على «من آمن» ، كأنه قيل : ولكن البرّ المؤمنون والموفون. قاله الفراء والأخفش ؛ وقيل : هو مرفوع على الابتداء ، والخبر محذوف ؛ وقيل : هو خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هم الموفون ؛ وقيل : إنه معطوف على الضمير في آمن ، وأنكره أبو عليّ وقال : ليس المعنى عليه. وقوله : (وَالصَّابِرِينَ) منصوب على المدح كقوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) ، ومنه ما أنشده أبو عبيدة :
لا يبعدن قومي الذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطّيّبون معاقد الأزر |
وقال الكسائي : هو معطوف على ذوي القربى كأنه قال : وآتى الصابرين : وقال النحاس : إنه خطأ. قال الكسائي : وفي قراءة عبد الله والموفين (وَالصَّابِرِينَ). قال النحاس : يكونان على هذه القراءة منسوقين على ذوي القربى أو على المدح. وقرأ يعقوب والأعمش : (وَالْمُوفُونَ) والصّابرون بالرفع فيهما. (فِي الْبَأْساءِ) الشدة والفقر. (وَالضَّرَّاءِ) : المرض والزمانة (وَحِينَ الْبَأْسِ) قيل : المراد :
__________________
(١). الملك : ٣٠.
(٢). آل عمران : ٩٢.
(٣). الإنسان : ٨.