أقول لأمّ زنباع أقيمي |
|
صدور العيس شطر بني تميم |
ومنه أيضا قول الآخر :
ألا من مبلغ عمرا رسولا |
|
وما تغني الرّسالة شطر عمرو |
وقد يراد بالشطر النصف ، ومنه «الطّهور شطر الإيمان» ، ومنه قول عنترة :
إنّي امرؤ من خير عبس منصبا |
|
شطري وأحمي سائري بالمنصل |
قال ذلك ؛ لأن أباه من سادات عبس وأمّه أمة ، ويرد بمعنى البعض مطلقا. ولا خلاف أن المراد بشطر المسجد هنا : الكعبة. وقد حكى القرطبي الإجماع على أن استقبال عين الكعبة فرض على المعاين ، وعلى أن غير المعاين يستقبل الناحية ، ويستدلّ على ذلك بما يمكنه الاستدلال به ، والضمير في قوله : (أَنَّهُ الْحَقُ) راجع إلى ما يدل عليه الكلام من التحوّل إلى جهة الكعبة ، أو لكونهم قد علموا من كتبهم أو أنبيائهم أن النسخ سيكون في هذه الشريعة فيكون ذلك موجبا عليهم الدخول في الإسلام ومتابعة النبيّ صلىاللهعليهوسلم قوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) قد تقدّم معناه. وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي تعملون : بالمثناة الفوقية ؛ على مخاطبة أهل الكتاب ، أو أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ الباقون : بالياء التحتية. وقوله : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ) هذه اللام هي موطئة للقسم ، والتقدير : والله لئن أتيت ؛ وقوله : (ما تَبِعُوا) جواب القسم المقدّر ، قال الأخفش والفرّاء : أجيب لئن : بجواب لو ، لأن المعنى : ولو أتيت ، ومثله قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) (١) أي : ولو أرسلنا ، وإنما قالا هكذا ؛ لأن لئن هي ضد لو ، وذلك أن الأولى تطلب في جوابها المضيّ والوقوع ، ولئن تطلب في جوابها الاستقبال. وقال سيبويه : إن معنى لئن يخالف معنى لو فلا تدخل إحداهما على الأخرى ، فالمعنى : ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية لا يتبعون قبلتك. قال سيبويه : ومعنى (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) : ليظللن ، انتهى. وفي هذه الآية مبالغة عظيمة وهي متضمنة التسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وترويح خاطره ، لأن هؤلاء لا تؤثر فيهم كل آية ، ولا يرجعون إلى الحقّ وإن جاءهم بكل برهان فضلا عن برهان واحد وذلك أنهم لم يتركوا اتباع الحق لدليل عندهم أو لشبهة طرأت عليهم ، حتى يوازنوا بين ما عندهم وما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ويقلعوا عن غوايتهم عند وضوح الحقّ ، بل كان تركهم للحقّ تمرّدا وعنادا ، مع علمهم بأنهم ليسوا على شيء ، ومن كان هكذا فهو لا ينتفع بالبرهان أبدا. وقوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) هذا الإخبار ممكن أن يكون بمعنى النهي من الله سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، أي : لا تتبع يا محمد قبلتهم ، ويمكن أن يكون على ظاهره دفعا لأطماع أهل الكتاب ، وقطعا لما يرجونه من رجوعه صلىاللهعليهوسلم إلى القبلة التي كان عليها. وقوله : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) فيه إخبار بأن اليهود والنصارى مع حرصهم على متابعة الرسول صلىاللهعليهوسلم لما عندهم مختلفون في دينهم حتى في هذا الحكم الخاص الذي قصّه الله سبحانه على رسوله ، فإن بعضهم لا يتابع الآخر في استقبال قبلته. قال في الكشاف : وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى تستقبل مطلع الشمس. انتهى. وقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) إلى آخر الآية ، فيه
__________________
(١). الروم : ٥١.