وقد قرأ الأعمش يتشقّق على الأصل. وقرأ ابن مصرف ينشقّ بالنون ، والشق : واحد الشقوق ، وهو يكون بالطول أو بالعرض ، بخلاف الانفجار ، فهو الانفتاح من موضع واحد مع اتساع الخرق. والمراد : أن الماء يخرج من الحجارة من مواضع الانفجار والانشقاق ، ومن الحجارة ما يهبط : أي ينحطّ من المكان الذي هو فيه إلى أسفل منه من الخشية لله التي تداخله وتحل به ؛ وقيل : إن الهبوط مجاز عن الخشوع منها ، والتواضع الكائن فيها انقيادا لله عزوجل ، فهو مثل قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (١) وقد حكى ابن جرير عن فرقة : أن الخشية للحجارة مستعارة كما استعيرت الإرادة للجدار (٢) ، وكما قال الشاعر :
لما أتى خبر الزبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشّع |
وذكر الجاحظ أن الضمير في قوله : (وَإِنَّ مِنْها) راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة ، وهو فاسد ، فإن الغرض من سياق هذا الكلام هو التصريح بأن قلوب هؤلاء بلغت في القسوة وفرط اليبس الموجبين لعدم قبول الحق والتأثر للمواعظ إلى مكان لم تبلغ إليه الحجارة ، التي هي أشدّ الأجسام صلابة وأعظمها صلادة ، فإنها ترجع إلى نوع من اللين ، وهي تفجرها بالماء وتشققها عنه وقبولها لما توجبه الخشية لله من الخشوع والانقياد بخلاف تلك القلوب. وفي قوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) من التهديد وتشديد الوعيد ما لا يخفى ، فإن الله عزوجل إذا كان عالما بما يعملونه مطلعا عليه غير غافل عنه كان لمجازاتهم بالمرصاد.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ) قال : اختلفتم فيها (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قال : ما تغيبون. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن المسيب بن رافع قال : ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها ، وتصديق ذلك في كتاب الله : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ). وأخرج أحمد والحاكم وصحّحه ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو أنّ رجلا عمل عملا في صخرة صمّاء لا باب لها ولا كوّة خرج عمله إلى النّاس كائنا ما كان» وأخرج البيهقي من حديث عثمان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كانت له سريرة صالحة أو سيّئة أظهر الله عليه منها رداء يعرف به» ورواه البيهقي أيضا بنحوه من قول عثمان قال : والموقوف أصحّ. وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن أنس مرفوعا حديثا طويلا في هذا المعنى ، ومعناه : أن الله يلبس كل عامل عمله حتى يتحدّث به الناس ويزيدون ، ولو عمله في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد ، وفي إسناده ضعف. وأخرج ابن عديّ من حديث أنس أيضا مرفوعا : «إنّ الله مرد كل امرئ رداء عمله». ولجماعة من الصحابة والتابعين كلمات تفيد هذا المعنى. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) قال : ضرب
__________________
(١). الحشر : ٢١.
(٢). في هذا إشارة إلى قوله تعالى في سورة الكهف [الآية : ٧٧] : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ...).