وبأتباعه ، وإيهامهم لهؤلاء السفلة أنهم على الحق ، وأن نوحا ومن معه على الباطل.
وكان من مظاهر مكرهم ـ أيضا ـ ما حكاه القرآن بعد ذلك عنهم في قوله : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً).
أى : ومن مظاهر مكر هؤلاء الرؤساء أنهم قالوا لأتباعهم. احذروا أن تتركوا عبادة آلهتكم ، التي وجدتم على عبادتها آباءكم ، واحذروا أيضا أن تتركوا عبادة هذه الأصنام الخمسة بصفة خاصة ، وهي : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. فقد روى البخاري عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ، أما «ود» فكانت لقبيلة بنى كلب بدومة الجندل. وأما «سواع» فكانت لهذيل ، وأما «يغوث» فكانت لبنى غطيف ، وأما «يعوق» فكانت لهمدان ، وأما «نسر» فكانت لحمير.
وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح ـ عليهالسلام ـ فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم ، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون عليها أنصابا ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا.
وقال ابن جرير : كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم ، فصوروهم ، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم ، وبهم يسقون المطر. فعبدوهم. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً ، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) معمول لقول مقدر ، وهذا القول المقدر معطوف على أقوال نوح السابقة.
أى : قال نوح مناجيا ربه بعد أن يئس من إيمان قومه : يا رب ، إن قومي قد عصوني ، وإنهم قد اتبعوا رؤساءهم المغرورين ، وإن هؤلاء الرؤساء قد مكروا بي وبأتباعى مكرا عظيما ، ومن مظاهر مكرهم أنهم حرضوا السفهاء على العكوف على عبادة أصنامهم .. وأنهم قد أضلوا خلقا كثيرا بأن حببوهم في الكفر وكرهوا إليهم الإيمان.
وقال نوح ـ أيضا ـ وأسألك يا رب أن لا تزيد الكافرين إلا ضلالا على ضلالهم ، فأنت الذي أخبرتنى بأنه (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٦٢.