إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ١٤ ]

441/487
*

قال صاحب الكشاف : خصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنداء ، وعمّ بالخطاب ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمام أمته وقدوتهم ، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان : افعلوا كيت وكيت ، وإظهارا لتقدمه ، واعتبارا لترؤسه ، وأنه مدرة قومه ولسانهم ـ والمدرة : القرية.

أى : أنه بمنزلة القرية لقومه ، وأنه الذي يصدرون عن رأيه ، ولا يستبدون بأمر دونه ، فكان هو وحده في حكم كلهم ، وساد مسد جميعهم (١).

وهذا التفسير الذي اقتصر عليه صاحب الكشاف ، هو المعول عليه ، وهو الذي يناسب بلاغة القرآن وفصاحته ، ويناسب مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقيل : الخطاب له ولأمته : والتقدير : يا أيها النبي وأمته إذا طلقتم ، فحذف المعطوف لدلالة ما بعده عليه.

وقيل : هو خطاب لأمته فقط ، بعد ندائه ـ عليه‌السلام ـ وهو من تلوين الخطاب ، خاطب أمته بعد أن خاطبه.

وقيل : إن الكلام على إضمار قول ، أى : يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم (٢).

والحق أن الذي يتدبر القرآن الكريم ، يرى أن الخطاب والأحكام المترتبة عليه ، تارة تكون خاصة به صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ).

وتارة يكون شاملا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأمته كما في هذه الآية التي معنا ، وكما في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).

وتارة يكون صلى‌الله‌عليه‌وسلم خارجا عنه كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ، وَلا تَنْهَرْهُما ، وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (٣).

فصيغة الخطاب هنا وإن كانت موجهة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أنه ليس داخلا فيها ، لأن والديه لم يكونا موجودين عند نزول هاتين الآيتين.

والمراد بقوله : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أى : إذا أردتم تطليقهن ، لأن طلاق المطلقة من باب تحصيل الحاصل.

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٥٢.

(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٥٥.

(٣) سورة الإسراء : ٢٣ ، ٢٤.