إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ١٤ ]

428/487
*

أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) (١).

والمعنى : إذا علمتم ما ذكرناه لكم ـ أيها المشركون ـ فاتركوا العناد ، وآمنوا بالله ـ تعالى ـ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إيمانا حقا ، وآمنوا ـ أيضا ـ بالقرآن الكريم الذي أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليكون هذا القرآن معجزة ناطقة بصدقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وجملة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) تذييل قصد به الوعد والوعيد ، أى : والله ـ تعالى ـ مطلع اطلاعا تاما على كل تصرفاتكم ، وسيمنحكم الخير إن آمنتم ، وسيلقى بكم في النار إن بقيتم على كفركم.

ثم حذرهم ـ سبحانه ـ من أهوال يوم القيامة فقال ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ).

والظرف (يَوْمَ) متعلق بقوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ).

والمراد بيوم الجمع : يوم القيامة. سمى بذلك لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون في مكان واحد للحساب والجزاء.

وسمى ـ أيضا بيوم التغابن ، لأنه اليوم الذي يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل.

والتغابن تفاعل من الغبن بمعنى الخسران والنقص ، يقال غبن فلان فلانا إذا بخسه حقه ، بأن أخذ منه سلعة بثمن أقل من ثمنها المعتاد ، وأكثر ما يستعمل الغبن في البيع والشراء ، وفعله من باب ضرب ، ويطلق الغبن على مطلق الخسران أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الجاحدين للبعث : لتبعثن يوم القيامة ثم لتنبؤن بما عملتم يوم القيامة يوم يجتمع الخلائق للحساب فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل ، ويغبن فيه المؤمنون الكافرين ، لأن أهل الإيمان ظفروا بالجنة ، وبالمقاعد التي كان سيظفر بها الكافرون لو أنهم آمنوا ، ولكن الكافرين استمروا على كفرهم فخسروا مقاعدهم في الجنة ، ففاز بها المؤمنون.

قال القرطبي : (يَوْمُ التَّغابُنِ) أى : يوم القيامة ... وسمى يوم القيامة بيوم التغابن ، لأنه غبن أهل الجنة أهل النار.

أى : أن أهل الجنة أخذوا الجنة ، وأهل النار أخذوا النار على طريق المبادلة فوقع الغبن على الكافرين لأجل مبادلتهم الخير بالشر ، والنعيم بالعذاب.

__________________

(١) سورة الشورى الآية ٥٢.