فآمنت ، وأشرتم على بأن أعطى زكاة مالي فأعطيت .. ولم يبق لكم إلا أن تأمرونى بالسجود لمحمد صلىاللهعليهوسلم.
وفي حديث أخرجه أحمد والشيخان .. أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعاهم ليستغفر لهم ، فلووا رءوسهم .. (١).
وقوله : (يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ ...) مجزوم في جواب الأمر ، وهو قوله : (تَعالَوْا) وقوله :(لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) جواب (إِذا).
والتعبير بقوله : (تَعالَوْا) تتضمن إرادة تخليص هؤلاء المنافقين مما هم فيه من ضلال ، وإرادة ارتفاعهم من انحطاط هم فيه إلى علو يدعون إليه ، لأن الأصل في كله «تعال» أن يقولها من كان في مكان عال ، لمن هو أسفل منه.
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ ، (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) يرسم صورة بغيضة لهم وهم يتركون دعوة الناصح لهم ، بعناد وتكبر وغرور ، وبراهم الرائي بعينه وهم على تلك الصورة المنكرة ، التي تدل على جهالاتهم وإعراضهم عن كل خير.
وقوله ـ سبحانه ـ : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ..) تيئيس له صلىاللهعليهوسلم من إيمانهم ، ومن قبولهم للحق.
ولفظ «سواء» اسم مصدر بمعنى الاستواء ، والمراد به الفاعل. أى : مستو ، ولذلك يوصف به كما يوصف بالمصدر ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ...) أى : مستوية.
أى : إن هؤلاء الراسخين في الكفر والنفاق ، قد استوى عندهم استغفارك لهم وعدم استغفارك ، فهم لتأصل الجحود فيهم صاروا لا يفرقون بين الحق والباطل ، ولا يؤمنون بثواب أو عقاب ... ولذلك فلن يغفر الله ـ تعالى ـ لهم مهما حرصت على هدايتهم وصلاحهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) تعليل لانتفاء المغفرة من الله ـ تعالى ـ لهم.
أى : لن يغفر الله ـ تعالى ـ لهم ، لأن سنته ـ سبحانه ـ قد اقتضت أن لا يهدى إلى طاعته ، وأن لا يشمل بمغفرته ، من فسق عن أمره ، وآثر الباطل على الحق ، والكفر على الإيمان ، لسوء استعداده ، واتباعه لخطوات الشيطان.
وقوله ـ سبحانه ـ : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١١٢.