وقال ابن جرير : وبلغنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ، ولرأوا مقاعدهم من النار ..» (١).
وقال ابن كثير : وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال : قال أبو جهل ـ لعنه الله ـ : إن رأيت محمدا عند الكعبة ، لآتينه حتى أطأ عنقه. قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار. ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلىاللهعليهوسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا (٢).
وقال صاحب الكشاف ما ملخصه : وقوله : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً) أى : بسبب ما قدموا من الكفر ، وقد قال لهم صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه» فلو لا أنهم كانوا موقنين بصدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم لتمنوا ، ولكنهم علموا أنهم لو تمنوا لماتوا من ساعتهم ولحقهم الوعيد فما تمالك أحد منهم أن يتمنى ، وهي إحدى المعجزات ـ لأنها إخبار بالغيب وكانت كما أخبر ـ.
فإن قلت : ما أدراك أنهم لم يتمنوا الموت؟ قلت : لو تمنوا لنقل ذلك عنهم ، كما نقلت سائر الحوادث ، ولكان ناقلوه من أهل الكتاب وغيرهم من أولى المطاعن في الإسلام ، أكثر من الذر ، وليس أحد منهم نقل عنه ذلك ... (٣).
هذا ، ويكفى في تحقيق هذه المعجزة ، ألا يصدر تمنى الموت عن اليهود الذين تحداهم النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك ، وهم الذين كانوا يضعون العراقيل في طريق دعوته .. ولا يقدح في هذه المعجزة ، أن ينطق يهودي بعد العهد النبوي بتمني الموت ، وهو حريص على الحياة ، لأن المعنيين بالتحدي هم اليهود المعاصرون للعهد النبوي.
والمقصود بقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) التهديد والوعيد. أى : والله ـ تعالى ـ عليم علما تاما بأحوال هؤلاء الظالمين ، وسيعاقبهم العقاب الذي يتناسب مع ظلمهم وبغيهم. فالمراد من العلم لازمه ، وهو الجزاء والحساب ..
وعبر ـ سبحانه ـ هنا بقوله : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ ...) وفي سورة البقرة بقوله : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ ...).
للإشعار بأنهم يكرهون الموت في الحال وفي المستقبل كراهة شديدة.
__________________
(١) راجع تفسير ابن جرير ج ١ ص ٤٢٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٤٤.
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٣١ وج ١ ص ٢٢٥.