من كتاب ، فقلنا : أخرجى الكتاب أو لنلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبى بلتعة ، إلى أناس من المشركين بمكة ، يخبرهم ببعض أمر النبي صلىاللهعليهوسلم.
فقال صلىاللهعليهوسلم «ما هذا يا حاطب ،؟» فقال حاطب : لا تعجل علىّ يا رسول الله إنى كنت إنسانا ملصقا في قريش ، ولم أكن منها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم بمكة ، فأحببت إذ فاتنى ذلك من النسب فيها ، أن أصطنع إليهم يدا ، يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن الإسلام.
فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنقه ، فقال ، صلىاللهعليهوسلم : «إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فنزلت هذه الآيات (١).
وقد ذكروا أن هذه القصة كانت في الوقت الذي أعد فيه النبي صلىاللهعليهوسلم العدة لأجل العمرة ، سنة صلح الحديبية. وقيل كانت هذه القصة في الوقت الذي تهيأ النبي صلىاللهعليهوسلم لفتح مكة ، وكان من بين الذين علموا ذلك حاطب بن أبى يلتعة.
والمراد بالعدو هنا : الأعداء عموما ، ويدخل فيهم دخولا أوليا كفار قريش ، الذين أرسل إليهم حاطب بن أبى بلتعة خطابه ، لكي يحذرهم من مهاجمة المسلمين لهم.
والمراد بالعداوة : العداوة الدينية التي جعلت المشركين ، يحرصون كل الحرص على أذى المسلمين ، أى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ إيمانا حقا ، احذروا أن تتخذوا أعدائى وأعداءكم أولياء وأصدقاء وحلفاء. بل جاهدوهم وأغلظوا عليهم ، واقطعوا الصلة التي بينكم وبينهم.
وناداهم بصفة الإيمان ، لتحريك حرارة العقيدة الدينية في قلوبهم ولحضهم على الاستجابة لما نهاهم عنه.
وقدم ـ سبحانه ـ عداوته للمشركين ، على عداوة المؤمنين لهم ، لأن عداوة هؤلاء المشركين لله ـ تعالى ـ أشد وأقبح ، حيث عبدوا غير خالقهم ، وشكروا غير رازقهم ، وكذبوا رسل ربهم وآذوهم.
وفي الحديث القدسي : «إنى والجن والإنس في نبأ عظيم. أخلق ويعبد غيرى ، وأرزق ويشكر سواي .. خيرى إلى العباد نازل ، وشرهم إلى صاعد ، أتحبب إليهم بالنعم. ويتبغضون إلى بالمعاصي».
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٦٥. وتفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٠٨.