وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢).
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : يعنى ليس العجب من حلفهم لكم ـ في الدنيا بأنهم مسلمون ـ فإنكم بشر تخفى عليكم السرائر. ولكن العجب من حلفهم لله عالم الغيب والشهادة ـ بأنهم كانوا مسلمين في الدنيا.
والمراد وصفهم بالتوغل في نفاقهم ، ومرونهم عليه ، وأن ذلك بعد موتهم وبعثهم باق فيهم لا يضمحل» (٣).
وقال بعض العلماء ما ملخصه : وقوله : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) حذفت صفة شيء ، لظهور معناها من المقام ، أى : ويحسبون أنهم على شيء نافع.
وهذا يقتضى توغلهم في النفاق ، ومرونتهم عليه ، وأنه باق في أرواحهم بعد بعثهم ، لأن نفوسهم خرجت من الدنيا متخلقة به ، فإن النفوس إنما تكتسب تزكية أو خبثا في عالم التكليف.
وفي الحديث : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إن رجلا من أهل الجنة يستأذن ربه أن يزرع ، فيقول الله له : أولست فيما شئت؟ قال : بلى يا ربي ولكن أحب أن أزرع ، فأسرع وبذر ، فيبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره أمثال الجبال.
وكان رجل من أهل البادية عند النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله لا نجد هذا الرجل إلا قرشيا أو أنصاريا ، فإنهم أصحاب زرع ، فأما نحن ـ أى أهل البوادي ـ فلسنا بأصحاب زرع ، فضحك النبي صلىاللهعليهوسلم إقرارا لما فهمه الأعرابى.
وفي حديث جابر بن عبد الله الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : يبعث كل عبد على ما مات عليه.
قال عياض : هو عام في كل حالة مات عليها المرء ، وقال السيوطي : يبعث الزمار بمزماره ، وشارب الخمر بقدحه.
__________________
(١) سورة الأنعام آية ٢٣.
(٢) سورة الأنعام الآية ٢٨.
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٨.