وقوله ـ سبحانه ـ : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) بيان لموقف فرعون من موسى ـ عليهالسلام ـ أى : أرسلنا موسى بآياتنا الدالة على صدقه إلى فرعون وملئه ، فما كان من فرعون إلا أن أعرض عن دعوة الحق ، وتعاظم على موسى بملكه وجنوده وقوته ... وقال في شأن موسى ـ عليهالسلام ـ هو ساحر أو مجنون.
والركن جانب البدن. والمراد به هنا : جنوده الذين يركن إليهم ، وقوته التي اغتر بها.
قال الآلوسى : قوله : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) أى : فأعرض عن الإيمان بموسى ، على أن ركنه جانب بدنه وعطفه ، والتولي به كناية عن الإعراض ، والباء للتعدية ، لأن معناه : ثنى عطفه.
وقال قتادة : تولى بقومه على أن الركن بمعنى القوم ، لأنه يركن إليهم ويتقوى بهم ، والباء للمصاحبة أو الملابسة ... وقيل : تولى بقوته وسلطانه. فالركن يستعار للقوة .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ نتيجة إعراض فرعون عن الحق فقال : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ).
والنبذ : الطرح للشيء بدون اكتراث أو اهتمام به ، وقوله (مُلِيمٌ) من ألام ، إذا أتى ما يلام عليه ، كأغرب إذا أتى أمرا غريبا ، وجملة ، وهو مليم ، حال من المفعول في قوله (فَأَخَذْناهُ).
أى : فأخذنا فرعون هو وجنوده الذين ارتكن إليهم أخذ عزيز مقتدر ، فألقينا بهم جميعا في البحر بدون اعتداد بهم ، بعد أن أتى فرعون بما يلام عليه من الكفر والطغيان.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف وصف نبي الله يونس ـ عليهالسلام ـ بما وصف به فرعون في قوله ـ تعالى ـ : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)؟
قلت : موجبات اللوم تختلف ، وعلى حسب اختلافها تختلف مقادير اللوم ، فراكب الكبيرة ملوم على مقدارها ، وكذلك مقترف الصغيرة. ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) ، وقوله (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) لأن الكبيرة والصغيرة يجمعها اسم العصيان ، كما يجمعهما اسم القبيح والسيئة (٢).
ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى بيان ما حل بقوم هود ـ عليهالسلام ـ فتقول : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ. ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ).
أى : وتركنا في قصة عاد ـ أيضا ـ وهم قوم هود ـ عليهالسلام ـ آية وعبرة ، وقت أن
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٠٣.