أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٦)
والضمير في (عَلَيْها) يعود إلى الأرض بقرينة المقام ، والمراد بمن عليها : كل من يعيش فوقها ، ويدخل فيهم دخولا أوليا بنو آدم ، لأنهم هم المقصودون بالخطاب ، ولذا جيء بمن الموصولة الخاصة بالعقلاء.
أى : كل من على الأرض من إنسان وحيوان وغيرهما سائر إلى الزوال والفناء (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) وذاته بقاء لا تغير معه ولا زوال ، فهو ـ سبحانه ـ (ذُو الْجَلالِ) أى : ذو العظمة والاستغناء المطلق (وَالْإِكْرامِ) أى : والفضل التام ، والإحسان الكامل ..
وقال ـ سبحانه ـ : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ولم يقل ويبقى وجه ربكما. كما في قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما ...).
لأن الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم على سبيل التكريم والتشريف ، ويدخل تحته كل من يتأتى له الخطاب على سبيل التبع.
قال القرطبي : لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلك أهل الأرض. فنزلت (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فأيقنت الملائكة بالهلاك.
وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أى : ويبقى الله ، فالوجه عبارة عن وجوده وذاته ، قال الشاعر :
قضى على خلقه المنايا |
|
فكل شيء سواه زائل |
وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) بيان لغناه المطلق عن غيره ، واحتياج غيره إليه.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٦٥.