بتعريفهم ، لأن التعريف تنويه وتشهير ، فكأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم ، ثم أعطى بذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير ، وعرف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ، ولكن لمقتض آخر ، فقال : (ذُكْراناً وَإِناثاً) ، كما قال : (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ..) (١).
وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) تذييل قصد به تأكيد قدرته وحكمته. أى : إنه ـ سبحانه ـ واسع العلم بأحوال عباده وبما يصلحهم ، قدير على كل شيء ، فهو يفعل ما يفعله عن قدرة واختيار ، لا مكره له ولا معقب لحكمه.
ثم بين ـ سبحانه ـ الطرق التي بها يقع التكليم منه ـ تعالى ـ للمختارين من عباده فقال : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً ، أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ..).
فهذه الآية الكريمة قد دلت على أن تكليم الله ـ تعالى ـ للبشر وقع على ثلاثة أوجه :
الأول : عن طريق الوحى ، وهو الإعلام في خفاء وسرعة عن طريق الإلقاء في القلب يقظة أو مناما ، ويشمل الإلهام والرؤيا المنامية.
والوحى مصدر أوحى ، وقد غلب استعماله فيما يلقى للمصطفين الأخيار من الكلمات الإلهية.
والثاني : عن طريق الإسماع من وراء حجاب ، أى حاجز ، بأن يسمع النبي كلاما دون أن يرى من يكلمه ، كما حدث لموسى. عليهالسلام ـ عند ما كلمه ربه ـ عزوجل ـ ، وهذا الطريق هو المقصود بقوله ـ تعالى ـ : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ).
والثالث : عن طريق إرسال ملك ، وظيفته أن يبلغ الرسول ما أمره الله بتبليغه له ، وهو المقصود بقوله ـ تعالى ـ (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ).
وهذا الطريق الثالث قد وضحه الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن الحارث بن هشام ، سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحى؟ فقال صلىاللهعليهوسلم أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس ـ وهو أشده على ـ أى : أحيانا يأتينى مشابها صوته وقوع الحديد بعضه على بعض ـ فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعى ما يقول.
قالت عائشة : ولقد رأيته صلىاللهعليهوسلم ينزل عليه الوحى في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٣٢.