أو أن يلمز بعضهم بعضا. ونداء خامسا أمرتهم فيه باجتناب الظن السيئ بالغير ، دون أن يكون هناك مبرر لذلك ، ونهتهم عن التجسس وعن الغيبة.
قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ، وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ، وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ، وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ، وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
٦ ـ وبعد هذه النداءات المتكررة للمؤمنين ، وجهت نداء إلى الناس جميعا ، بينت لهم فيه أنهم جميعا قد خلقوا من ذكر وأنثى ، وأن أكرمهم عند الله هو أتقاهم وأخشاهم لله ـ تعالى ـ.
ثم ردت على الأعراب الذين قالوا آمنا دون أن يستقر الإيمان في قلوبهم ووضحت صفات المؤمنين الصادقين ، وأمرت كل مؤمن أن يشكر الله ـ تعالى ـ على نعمة الإيمان.
قال ـ سبحانه ـ : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ، قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ، بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
٧ ـ وهكذا نجد السورة الكريمة قد رسمت للمؤمنين طريق الحياة السعيدة ، حيث عرفتهم بما يجب عليهم نحو خالقهم ـ سبحانه ـ وبما يجب عليهم نحو نبيهم صلىاللهعليهوسلم وبما يجب عليهم نحو أنفسهم ، وربما يجب عليهم نحو إخوانهم في العقيدة ، وبما يجب عليهم نحو أفراد المجتمع الإسلامى بصفة عامة.
وقد وضحت لهم كل ذلك بأسلوب بليغ مؤثر ، من شأنه أن يغرس في النفوس الخشوع والطاعة لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه الراجي عفو ربه
د. محمد سيد طنطاوى
القاهرة ـ مدينة نصر
١٩ من شهر ربيع الآخر ١٤٠٦ ه
٣١ / ١٢ / ١٩٨٥ م