والتعبير بقوله : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) تصريح بذمهم وتوبيخهم على موقفهم المشين من المؤمنين ، الذين لم يأتوا إلى مكة لحرب ، وإنما أتوا لأداء شعيرة من شعائر الله.
أى : هم في ميزان الله واعتباره الكافرون حقا. لأنهم صدوكم ومنعوكم ـ أيها المؤمنون ـ عن دخول المسجد الحرام ، وعن الطواف به ، ولم يكتفوا بذلك ، بل منعوا الهدى المحبوس من أجل ذبحه على سبيل التقرب به إلى الله ـ تعالى ـ من الوصول إلى محله الذي يذبح فيه في العادة وهو منى.
قال القرطبي ما ملخصه : «قوله : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً) أى : محبوسا ..... (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ). أى : منحره .. والمحل ـ بالكسر ـ غاية الشيء ، وبالفتح : هو الموضع الذي يحله الناس ، وكان الهدى سبعين بدنة ، ولكن الله ـ تعالى ـ بفضله جعل ذلك الموضع ـ وهو الحديبية ـ له محلا.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال : نحرنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ...
وفي البخاري عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم معتمرين ، فحال كفار قريش دون البيت فنحر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بدنة وحلق رأسه ..» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...) بيان لحكمة الله ـ تعالى ـ في منع الحرب بين الفريقين.
وجواب «لو لا» محذوف لدلالة الكلام عليه. والمراد بالرجال المؤمنين وبالنساء المؤمنات : سبع رجال وامرأتان كانوا بمكة.
قال الآلوسى : «وكانوا على ما أخرج أبو نعيم بسند جيد وغيره عن أبى جمعة جنبذ بن سبع ـ تسعة نفر : سبعة رجال ـ وهو منهم ـ وامرأتين.
وجملة (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) صفة رجال ونساء على تغليب المذكر على المؤنث.
وقوله (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بدل اشتمال من رجال ونساء ، والوطء الدّوس ، والمراد به هنا الإهلاك. وقوله : (مَعَرَّةٌ) أى : مكروه وأذى. يقال : عرّه يعره عرّا ، إذا أصابه بمكروه ، وأصله من العرّ وهو الجرب.
والمراد به هنا : تعيير الكفار للمؤمنين بقولهم : لقد قتلتم من هم على دينكم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٨٣.