والمخلفون : جمع مخلّف ، وهو المتروك في مكان خلف الخارجين من البلد كالنساء والصبيان ، فإنهم في العادة لا يخرجون مع الرجال للجهاد ، وعبر عنهم بالمخلفين على سبيل الذم لهم.
والأعراب : اسم جنس لبدو العرب ، واحده أعرابى ، والأنثى أعرابية ، والمقصود بهم هنا سكان البادية من قبائل غفار ، ومزينة ، وجهينة ، وأشجع ، وأسلم ، والدّيل ، وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم قد دعاهم إلى الخروج معه إلى مكة ، ليساعدوه على إقناع قريش في الإذن بدخول مكة للطواف بالبيت الحرام .. ولكنهم اعتذروا.
وقوله ـ سبحانه ـ سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا .. إعلام من الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم بما سيقوله هؤلاء المتخلفون له ، بعد عودته إليهم من صلح الحديبية.
أى : سيقول المخلفون لك ـ أيها الرسول الكريم ـ : إننا ما تخلفنا عنك باختيارنا ، ولكن انشغالنا بحفظ ورعاية أموالنا ونسائنا وأولادنا الصغار ، حال بيننا وبين الخروج معك إلى الحديبية ، وما دام الأمر كذلك (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) الله ـ تعالى ـ لكي يغفر لنا ذنوبنا التي وقعنا فيها بسبب هذا التخلف الذي لم يكن عن تكاسل أو معصية لك.
ولما كان قولهم هذا لم يكن صحيحا ، فقد رد الله ـ تعالى ـ عليهم بقوله : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ). أى : هم ليسوا صادقين فيما يقولون ، والحق أنهم يقولون قولا من أطراف ألسنتهم ، دون أن تؤيده قلوبهم ، فإن السبب الحقيقي لعدم خروجهم معك ، هو ضعف إيمانهم ، ومرض قلوبهم ، وتذبذب نفوسهم.
فالجملة الكريمة تكذيب لهم فيما قالوه ، وفضيحة لهم على رءوس الأشهاد.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ أن يجابههم بقوله : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) .. والاستفهام للإنكار والنفي.
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المتخلفين من الأعراب لا أحد يستطيع أن يمنع عنكم قضاء الله ـ تعالى ـ ، إن أراد بكم ما يضركم من قتل أو هزيمة ، أو إن أراد بكم ما ينفعكم ، من نصر أو غنيمة ؛ لأن قضاء الله ـ تعالى ـ لا دافع له ، كما قال ـ سبحانه ـ : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (١) ..
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٢.