ثانيا : أن تضع الحرب أوزارها بين الطرفين عشر سنوات.
ثالثا : من أتى الرسول صلىاللهعليهوسلم من قريش مسلما بغير إذن وليه رده إليهم ، ومن أتى قريشا من المسلمين لم يردوه.
رابعا : من أحب أن يدخل في عقد مع الرسول صلىاللهعليهوسلم فله ما أراد. ومن أحب أن يدخل في عهد قريش فله ذلك.
ولقد عز على بعض المسلمين قبول الرسول صلىاللهعليهوسلم لهذه الشروط ، التي ظاهرها الظلم للمسلمين ، حتى قال عمر ـ رضى الله عنه ـ للرسول صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «إنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري».
ثم أشار صلىاللهعليهوسلم إلى المسلمين أن يتحللوا من عمرتهم ، بأن ينحروا هديهم ، وأن يحلقوا رءوسهم أو يقصروا. ولكنهم لم يسارعوا بالامتثال ، فدخل صلىاللهعليهوسلم على زوجه أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ ، وقد ظهر الغضب على وجهه.
فقالت له : يا رسول الله ، اعذرهم ، وابدأ بما تأمرهم به دون أن تكلم منهم أحدا.
فقام صلىاللهعليهوسلم فنحر هديه ، ودعا حالقه فحلق له ، فلما رأى المسلمون ذلك من نبيهم ، قاموا فنحروا هديهم ، وجعل بعضهم يحلق بعضا.
ثم أقام المسلمون بعد ذلك عدة أيام بالحديبية ، ثم قفلوا راجعين إلى المدينة ، وعند ما سمع صلىاللهعليهوسلم بعضهم يقول : لقد رجعنا ولم نصنع شيئا ..
قال صلىاللهعليهوسلم «بل فتحتم أعظم الفتح».
وصدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله هذا. فقد كان صلح الحديبية فتحا عظيما ، كما نبين ذلك عند تفسيرنا للسورة الكريمة.
وبهذا العرض المجمل لأحداث صلح الحديبية ، نكون قد أعطينا القارئ فكرة مركزة عن هذا الصلح ، وعن الجو العام الذي نزلت في أعقابه سورة الفتح ، ومن أراد المزيد لمعرفة أحداث صلح الحديبية فليرجع إلى كتب السيرة (١).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
__________________
(١) راجع سيرة ابن هشام ج ٣ من ص ٣٥٥ إلى ص ٣٧٨ وتفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٢٧.