لهم في خلق أى شيء ، وإنما الخالق لكل شيء هو الله رب العالمين.
فالاستفهام للتوبيخ والتقريع.
فالمراد من الآية الكريمة نفى استحقاق معبوداتهم لأى لون من ألوان العبادة بأبلغ وجه ، لأن هذه المعبودات لا مدخل لها في خلق أى شيء لا من العوالم السفلية ولا من العوالم العلوية ، وإنما الكل مخلوق لله ـ تعالى ـ وحده.
ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (١).
وبعد أن أفحمهم ـ سبحانه ـ من الناحية العقلية ، أتبع ذلك بإفحامهم بالأدلة النقلية ، فقال ـ تعالى ـ : (ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا ، أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
والأمر في قوله ـ تعالى ـ (ائْتُونِي) للتعجيز والتهكم ـ أيضا ـ كما في قوله : (أَرُونِي).
وقوله : (أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) أى : بقية من علم يؤثر عن الأولين ، وينسب إليهم.
قال القرطبي : وفي الصحاح : «أو أثارة من علم» أى : بقية منه. وكذلك الأثرة ـ بالتحريك ـ ويقال : سمنت الإبل على أثارة ، أى : على بقية من شحم كان فيها قبل ذلك ..
والأثارة : مصدر كالسماحة والشجاعة ، وأصل الكلمة من الأثر ، وهي الرواية ، يقال : أثرت الحديث آثره أثرا وأثارة وأثرة فأنا آثر ، إذا ذكرته عن غيرك ، ومنه قيل : حديث مأثور ، أى نقله الخلف عن السلف (٢).
أى : هاتوا لي ـ أيها المشركون ـ كتابا من قبل هذا القرآن يدل على صحة ما أنتم عليه من شرك ، فإن لم تستطيعوا ذلك ـ ولن تستطيعوا ـ فأتونى ببقية من علم يؤثر عن السابقين ، ويسند إليهم ، ويشهد لكم بصحة ما أنتم فيه من كفر.
(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما تزعمونه من أنكم على الحق.
وهكذا أخذ عليهم القرآن الحجة ، وألزمهم ببطلان ما هم عليه من ضلال ، بالأدلة العقلية المتمثلة في شهادة هذا الكون المفتوح ، وبالأدلة النقلية المتمثلة في أنه لا يوجد عندهم كتاب أو ما يشبه الكتاب. يستندون إليه في استحقاق تلك المعبودات للعبادة.
__________________
(١) سورة لقمان الآية ١١.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ١٨٢.