المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم إلى الإنصات والتدبر ، لأنه يطرق أسماعهم في أول التلاوة بألفاظ غير مألوفة في مجاري كلامهم.
وذلك مما يلفت أنظارهم ، ليتبينوا ما يراد منها ، فيسمعوا حكما وحججا ومواعظ من شأنها أنها تهديهم إلى الحق ، لو كانوا يعقلون.
وقد سبق أن بينا ـ بشيء من التفصيل ـ آراء العلماء في هذه الحروف المقطعة (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) بيان لمصدر هذا القرآن ، وأنه من عند الله ـ تعالى ـ ، لا من عند غيره.
أى : أن هذا القرآن منزل من عند الله ـ تعالى ـ (الْعَزِيزِ) أى : صاحب العزة الغالبة ، والسلطان القاهر (الْحَكِيمِ) في كل أقواله وأفعاله وتصريفه لشئون خلقه.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه لم يخلق هذا الكون عبثا ، فقال : (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ...).
وقوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) استثناء مفرغ من أهم الأحوال ، وهو صفة لمصدر محذوف ، وقوله : (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) معطوف على «الحق» والكلام على تقدير مضاف محذوف.
أى : ما خلقنا هذا الكون بسمائه وأرضه وما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا الله ، ما خلقنا كل ذلك إلا خلقا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل وبالحكمة التي اقتضتها إرادتنا ومشيئتنا ..
وما خلقنا كل ذلك ـ أيضا ـ إلا بتقدير أجل معين ، هو يوم القيامة الذي تفنى عنده جميع المخلوقات.
فالمراد بالأجل المسمى : يوم القيامة الذي ينتهى عنده آجال الناس ، ويقفون بين يدي الله ـ تعال ـ للحساب والجزاء.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً. ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) (٣).
__________________
(١) راجع تفسيرنا لسور البقرة والأعراف ويونس.
(٢) سورة ص الآية ٢٧.
(٣) سورة الدخان الآيتان ٣٨ ، ٣٩.