قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ما موقع هاتين الجملتين؟
قلت : هما جملتان مستأنفتان ، فسر بهما جواب القسم الذي هو قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) كأنه قيل : أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب ، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصا ، لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمة ، وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم.
ومعنى (يُفْرَقُ) يفصل ويكتب كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم ..» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن مرد هذه الكتابة والتقدير للأشياء إليه وحده فقال : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا ..).
ولفظ (أَمْراً ..) يرى بعضهم أنه حال من (كُلُّ أَمْرٍ ..) أى : يفرق في هذه الليلة المباركة كل أمر ذي حكمة ، حالة كون هذا الأمر من عندنا وحدنا لا من عند غيرنا.
ويصح أن يكون منصوبا على الاختصاص ، وتنكيره للتفخيم ، أى : أعنى بهذا الأمر الحكيم ، أمرا عظيما كائنا من عندنا وحدنا. وقد اقتضاه علمنا وتدبيرنا.
وقوله : (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ..) بدل من قوله : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ).
أى أنزلنا هذا القرآن ، في تلك الليلة المباركة لأن من شأننا إرسال المرسلين إلى الناس ، لأجل الرحمة بهم ، والهداية لهم ، والرعاية لمصالحهم.
وقوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تعليل لما قبله. أى : فعل ما فعل من إنزال القرآن ، ومن إرسال الرسل ، لأنه ـ سبحانه ـ هو السميع لمن تضرع إليه ، العليم بجميع أحوال خلقه.
ثم وصف ـ سبحانه ـ ذاته بما يدل على كمال قدرته ، ونفاذ إرادته فقال : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ..) من هواء ، ومن مخلوقات لا يعلمها إلا الله ـ تعالى ـ.
(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أى : إن كنتم على يقين في إقراركم حين تسألون عمن خلق السموات والأرض وما بينهما.
وجواب الشرط محذوف ، أى : إن كنتم من أهل الإيقان علمتم بأن الله ـ تعالى ـ وحده ، هو رب السموات والأرض وما بينهما.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٧٠.